السوسنة - نظرا للرؤية التي ينتهجها النبي في نشر الإسلام ودين الحق وتوسعة رقعة بلاد المسلمين فقد بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدد من أصحابه إلى أهل اليمن يدعونهم إلى الله تعالى وإلى دين الإسلام ، وكان من بين هؤلاء الصحابة الكرام : الصحابي حرام بن ملحان ، وهو خال أنس بن مالك .
وكان الرسول قد بعثهم بعدما طلب منه ذلك رجلا من بني عامر ، ولكن رسول الله خاف على صحبه الكرام وأوجس في نفسه خيفة من هذا الأمر ، إلا أنه لم يمنعه خوفه على الصحابة من محاولة نشر دين الإسلام.
فذهب الصحابة إلى أهل اليمن ، ولما دنوا منهم ، قال لهم حرام بن ملحان : "لو جعلتموني أذهب رسولاً إلى هؤلاء القوم كطليعة لكم "، فوافقه الصحابة وذهب إليهم ، واستقام ومَثُلَ أمام زعيمهم عامر بن الطفيل ليبدأ بدعوته إلى الله ، ويبلغه رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويشرح له الإسلام ، ويتلو عليه آيات من القرآن ، وبينما كان حِرام بن ملحان يشرح ومستغرقًا في شرحه لدين الإسلام لهذا الكافر العنيد الصنديد ، أشار عامر بن الطفيل لأحد رجاله أن يقتل حِرام بن ملحان ؛ وقد كان واقفًا خلفه.
ومما تعارفت عليه العرب سالفًا حتى في كفرهم وجاهليتهم ، أنهم لا يقتلون الرسل أبدًا ، وكان ذلك عرفٌ سائدٌ ، إلى أن وقعت المعركةُ بين الإسلامِ والكفر ، فنسيَ العربُ أو تناسوا كل عاداتهم الجيّدة في سبيل شنّ حرب على الإسلام والمسلمين.
ولما طعن جبار بن سلمى الصحابي حرام بن ملحان من خلفه ، لم يكتفي بذلك بل طعنه في منطقة البطن أيضًا ، ففوجئ الصحابي حِرام بهذا الفعل وسال الدم وبقوة من بطنه.
أما موقف حرام بن ملحان لما فار الدم من جوفه ، كان بأن استقبل بداية الدم بيديه ، حتى امتلأت من الدم ، ثم أخذ ينثرها على رأسه ووجهه وهو يقول : " فزت ورب الكعبة ، فزت ورب الكعبة "
سبحان الله ! الدنيا والحياة هي رأس مال الناس أجمعين ، ويأتي هذا الرجل وهو يغادرها ، ليقول : (فزت ورب الكعبة)
استغرب قاتل حرام بن ملحان ؛ وهو" جبار بن سلمى " ، كيف لهذا الرجل وهو ينازع الموت ، تاركًا وراءه أبناءه وزوجته ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك يقول : فزت ورب الكعبة ، فلماذا ؟
وما الذي فاز به ؟
وما الشيء الذي يجعله يفرح بالموت في سبيل الله !!
وبقي هذا الموقف والشعور الذي رآه يلح على جبار بن سلمى حتى أسلم ، وحسن إسلامه .
ولو تساءلنا لماذا فاز فعلا حرام بن ملحان ؟ فما سيكون الجواب إلا لأن المؤمن يدرك أن الدنيا ما هي إلا مرحلة تمر بنا لتوصلنا إلى الآخرة .
أدرك حرام بن ملحان أن استشهاده في سبيل الله هو مهر دخوله الجنة ، فما أعظمه من فوز ، وما أعظم فهم الصحابة ..
فهنئيا لحرام بن ملحان بما فاز .