النهج النبوي في احترام الأطفال وتعزيز ثقتهم

السوسنة - تعد تنشئة طفل متميز واثق بنفسه من أكبر أحلام وطموحات كل أب وأم، بل إن الكتب التي تتحدث عن الثقة بالنفس وتقدير الذات هي من أكثر الكتب مبيعاً حول العالم بمختلف اللغات، ولا عجب في ذلك، فالثقة بالنفس ترفع من قيمة الشخص ومكانته وتدفع كل من حوله لاحترامه، ولكن كيف تنشأ هذه الصفة عند الطفل؟

وهل وردت في السنة والسيرة النبوية أي مواقف ترشدنا إلى الطريقة الصحيحة في التعامل مع الأطفال لتنمية وتعزيز ثقتهم بأنفسهم؟
كما نعلم، فسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم زاخرة بالكثير من المواقف التعليمية الرائعة والراقية في التعامل مع شتى الفئات العمرية، ومنها الأطفال، وقد جمعنا لكم هنا بعضاً من المواقف التي تعلمنا كيف نعزز ونبني ثقة الطفل بنفسه.


1. طفل يؤم بالمصلين! 
 إن تعويد الطفل على أن يتحمل المسؤولية بالقدر الذي يتناسب مع قدراته وإمكانياته، واحد من أهم مفاتيح تعزيز ثقة الطفل بنفسه، فعندما يشعر الطفل بأن والده أو مربيه يثق به، ويوكل إليه مسؤولية أمر ما، ويأتمنه عليه، ستزداد ثقته بنفسه، وسيبذل كل جهده ليكون أهلاً لتحمل المسؤولية وإنجاز ما أوكل إليه، وقد كانت هذه هي الطريقة التي تعامل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أطفال المسلمين منذ نعومة أظفارهم، فقد روى البخاري في صحيحه أن عمرو بن سلمة الجرمي كان يؤم قومه وهو ابن ست أو سبع سنوات، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علم بأنه أحفظ قومه للقرآن وعلم بأنه قادر على أداء الصلاة بشكل صحيح، فأجاز إمامته فيهم بالرغم من صغر سنه.

وكان رضي الله عنه من أعلم قومه بالقرآن وأحفظهم له، لأنه تعلم القرآن من القوافل التي كانت تمر بأرض قبيلته قبل أن يدخلوا في الاسلام، ويروي لنا رضي الله عنه قصته فيقول: "لما كانت وقعة الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم وبادر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال‏:‏ جئتكم من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم حقًا، فقال‏:‏ صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين...". رواه البخاري

2. طفل يُقَدَّمُ على كبار الصحابة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم!
احترام الطفل وسؤاله عن رأيه، واستئذانه قبل أخذ ممتلكاته أو قبل تقديم شخص ما عليه في الدور، جميعها أيضًا من مفاتيح تعزيز ثقة الطفل بنفسه، وتتجلى هذه الأساليب جميعها في تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال من الصحابة في عدة مواقف من سيرته صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر هذه المواقف ما روي عن الصحابي الجليل سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء، فقال الغلام: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده" متفق عليه

ويظهر لنا من هذا الحديث أن هذا الغلام كان يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمع إلى حديثه، ولم يمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لصغر سنه، بل إنه احترمه وعامله معاملة الكبار، حتى أن الغلام كان يجلس بجواره صلى الله عليه وسلم، كما اعترف بوجوده في المجلس، ولم يتخطاه تلقائياً كما يفعل الكثير من الناس مع الأطفال عند تقديم الضيافة في المجالس، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتيامن في كل شيء، أي يبدأ باليمين دائماً   (وهذه سنة يستحب للمسلم القيام بها) فقد كان الدور في الشرب للغلام، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقديم الشيوخ على الغلام احتراماً لهم، ولكنه لم يغفل دور الغلام ولم يتخطاه، بل عامله باحترام واستأذنه بأن يقدمهم عليه، ولكن الغلام أراد الاحتفاظ بحقه في بركة الشرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفض، ولم ينكر أحد عليه ذلك، إنما كما كان الدور في الشرب حقاً محفوظاً له، فقد كان احتفاظه به أيضاً حقاً محفوظاً له، ولم يلُمه عليه أحد.

 3.  حتى المسير في طرقات المدينة، فرصة عظيمة لبناء القيم العليا
يروي لنا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان يسير يوماً في طرقات المدينة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبادره بالحديث قائلاً:"يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف".رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.


ونرى من هذا الحديث الشريف كيف بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس بالكلام حين كانا يمشيان معاً في طرقات المدينة، وفي هذا احترام لصحبته، فأحب أن يحدثه بشيء ما داما يسيران معاً، ولم يتجاهله، بل إنه صلى الله عليه وسلم اختار هذا النوع الراقي جداً من النصائح، بالرغم من أنه يتحدث إلى طفل، إلا أنه ربطه بالله وحثه على أن يستشعر مراقبة الله له في كل أعماله، وأن يستعين به في كل أموره، ولم يحدثه بتوافه الأمور لأنه صبي صغير، بل حمله هذه النصائح الثمينة، التي نقلها رضي الله عنه وأرضاه إلى الأمة، فتناقلتها جيلاً بعد جيل حتى وصلتنا، فهذه الكلمات الثمينة كانت كلمات حدث بها المعلم تلميذه بينما يسيران في طريقهما لقضاء حاجة لهما، إلا أنها لم تكن مجرد كلمات عادية، بل كانت عملية بناء للقيم، والمباديء في نفس هذا الطفل، ليشب ويصبح حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه وأرضاه.

المصادر : الشيخ خالد بن سعود البليهد
محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري
الموقع الاسلامي اسلام ويب

 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة