السوسنة - كان الحراك السياسي في العصر الأموي نشطا ، و تمثل ذلك بالأحزاب السياسية و الحراكات القبلية و المذهبية. و من أشهر الفرق الإسلامية في العصر الأموي ، الشيعة و الزبيرية و الخوارج .
و الخوارج في اللغة جمع خارج ، و خارجي اسم مشتق من الخروج ، و اكتسبت لفظة الخوارج دلالة حزبية سياسية واضحة المعالم ، فقد كوّنوا حزبا سياسيا هو الأول في التاريخ الإسلامي ، حيث أثاروا الجدل في مسألة التحكيم و الإمامة .
و أطلقت كلمة الخوارج أول ما أطلقت على فئة من الناس خرجت على الإمام علي ، أو بشكل أعم على الفئة التي تخرج عن الإمام المتّفق عليه. و هذه الفئة خرجت على علي يوم حادثة التحكيم الشهيرة بينه و بين معاوية ، و رفضت هذه الفئة ما كان من أمر التحكيم والحكمين و من قبل بالتحكيم ، و أصبحوا لديهم كفارا ، و قالوا : " إن الحكم إلا لله " . ثم انحازت هذه الجماعة إلى حروراء ، و تركوا عليا .
و الخوارج ، سبع طوائف و يشمل تعريف الخوارج كل من أخذ بأصولهم وسلك مسلكهم وانتهج سبلهم ، وهذا يعني أنهم قد يكونون في كل زمان . و هم الذين يكفرون بالمعاصي ، و يخرجون على أئمة المسلمين و جماعتهم بالاعتقاد و السيف ، و لهم ألقاب كثيرة منها :
المحكّمة : لأنهم فارقوا عليا و جماعة المسلمين بسبب مسألة التحكيم ، شعارهم في ذلك : لا حكم إلا لله .
الحرورية : لأنهم حين خرجوا على علي و جماعة الصحابة ، و انحازوا إلى مكان يقال له حروراء بالعراق .
أهل النهروان : نسبة إلى المكان الذي قاتلهم فيه علي بعد خروجهم عليه .
الشراة : لأنهم زعموا أنه يشرون أنفسهم ابتغاء مرضات الله .
المارقة : لأن النبي – صلى الله عليه و سلم – سماهم " المارقة " و و صفهم بأنهم " يمرقون من الدين " .
المكفّرة : لأنهم يكفرون بالكبائر . و يكفرون كل من خالفهم من المسلمين .
السبئية : لأنّ منشأهم من الفتنة التي أوقدها ابن سبأ اليهودي .
الناصبة : لأنهم نصبوا عليا – رضي الله عنه – و آله العداء .
و من الحوادث التاريخية التي يرويها المؤرخون على أنها تأريخ لأصل الخوارج ، أن رجلا أتى رسول الله – صلى الله عليه و سلم – بعد غزوة حنين منصرفَه من الجعرانة ، و هو يقسم غنائم فآثر نفرا تألفا لقلوبهم في الإسلام فقال له الرجل : " أعدل يا رسول الله " فقال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " و يحك و من يعدل إذا لم أعدل " ثم قال – صلى الله عليه وسلم - : " إنّه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " .
و هذا الحديث روي بأسانيد مختلفة و بصور مختلفة من الزيادة والنقصان ،لكن ليس هناك ما يشكك في في حدوثها ، و إجماع كل من رواها على أهم أجزائها يقوي صحتها .
و ما يمكن استخلاصه من كل هذا أن هذا الرجل بلا شك يمثل روح الخوارج في اعتراضه تمثيلا تاما ، برؤية العدل عدلا مطلقا ، و لا يعترف بسلطان الظروف و أثرها في الأحكام العامة ، ذلك الروح الذي لا يقبل من الإمام و لو كان الرسول – عليه الصلاة والسلام – نفسه إلا العدل المطلق ، و لا يخاف من أن يعترض أو يجاهر بما يؤمن في أعصب الظروف و أحرجها ، و لا شك أن هذا الرجل مثّل باعتراضه التشدد و التعصب اللذين كانا من أهم مميزات الخوارج أول ظهورهم ، و هذا الخروج على الإمام اعتراضا على سياسته يشابه في كثير خروج الخوارج على " علي " لسخطهم على سياسته .
و تخلص سهير القلماوي في كتابها " أدب الخوارج " إلى أن روح الخوارج ظاهرة طبيعية تظهر إثر كل عقيدة جديدة، و أنها وجدت في الإسلام منذ فجره ، و في حديث الرسول – عليه الصلاة و السلام – دليل على بعد نظر و صدق فهم لروح الجماعة و للطبيعة البشرية ، و ما أراد به الرسول – صلى الله عليه و سلم – إلا أن يفهم صحابته أن روح هذا الرجل سيقوى و سينتشر و أنه سيكون من معدنه - ضئضئ - قوم لشدة تمسكهم بالدين يخرجون على عامة المسلمين ، و ما الرجل إلا ممثل فئة مبعثرة لا وحدة لها و لا كيان و لا مميزات تميزها أو تخرجها عن الجماعة ،و لكن هذه الفئة كانت البيئة الصالحة لتلبية نداء الخارجين على " علي " في صفين .
المراجع :
1 - الشهرستاني ،(1986) الملل والنحل، ج1 ، ت.عبد العزيز الوكيل ، ط الحلبي .
2 - محمد محمود أبو قحف ، (2005) ، قصة الخلافة – نشاة الخوارج و تطور فرقهم و مذاهبهم حتى العصر الحديث – مصر : المكتبة القومية الحديثة .
3 - غالب بن علي عواجي ، (1978) الخوارج تاريخهم و آراؤهم الاعتقادية ، رسالة ماجستير ، جامعة الملك عبد العزيز .
4 - ناصر عبد الكريم العقل ، ( 1998) الخوارج أول الفرق في الإسلام ، السعودية : دار إشبيليا للنشر و التوزيع .
5- أدب الخوارج ، سهير القلماوي .