التراويح .. بين حكم الشرع وعاطفة الشوق - د. محمد عبدالجبار الزبن

 يلزم المسلم الانضباط بقوانين شرعية في عباداته ومعاملاته، التي تنبني على العدل والسماحة واليُسر. وحفظ مقدرات الحياة. ففي عبادة الصلاة وهي ركن من أركان الإسلام، نجد أنّ الرخصة تسمح بأدائها على الوجه المستطاع: (فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) –البخاري-.

 

ومن حاجتنا لأهل العلم الشرعيّ، ما نعيشه هذه الأيام من أجواء الوباء الذي ينتشر في الأرض فيأكل الأخضر اليابس، ولا يعرفُ للناس قدرَهم، إلا من وقاه اللهُ شرّ ذلك الوباء. ممن أخذ بالأسباب مطلب شرعيّ وواجب على المسلم في حياته اليومية.

وبعد..

 

 

 

فصلاة التراويح مما يكون فيه الأجر والمثوبة في أدائها في البيوت درءًا لمفسدة انتشار فيروس كورونا، وما يمكن أن يترتب على الانتشار من إفساد الحرث والنسل.

 

وقد خاض أناسٌ بعواطف جيّاشة يسوقهم الشوق إلى صلاة التراويح، فأطلقوا الكلمات جزافا دون تقييد أو ضبط لها، ينتاب بعضُهم استغرابا من منع التراويح في المساجد ليالي رمضان، وأدائها في البيوت، مع أنّ القرآن يحضنا على أدائها في البيوت: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشّـِرِ الْمُؤْمِنِينَ (سورة يونس:87)، فلا عجب إذا صلينا التراويح في البيوت في ظرفٍ يمنعنا من أدائها في المساجد.

 

وهنا أذكّر بأمور هامّة تقف بنا على العديد من المعطيات:

 

أولا: الأمر شرعيّ ولا يقاس بالعقل المجرد، ولا بالحساب على الورق ولا بالتخمينات ولا بالعواطف. بل المرجع في ذلك إلى الشريعة الإسلامية، اعتمادًا على تغليب المصالح، لأنّ الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد.

 

ثانيًا: الفتوى صدرت عن مفتي صدّرَه وليُّ الأمر لذلك، والأخذ بفتواه فيه أجر ومثوبة.

 

زكاة الفطر (وقت وجوبها ووقت إخراجها) - أبو ذر القلموني

 

ثالثا: الأسواق تختلف عن المساجد، بأمور عديدة منها وأهمها: المرتادون إلى الأسواق من الفئات العمرية الأقلّ تضررًا، ولا يمكننا أن نخدش مشاعر البعض أو نعرضهم للهلاك. وهنا نقطة.

 

رابعا: لا ولن يستطيع إمام المسجد من ضبط المصلّين أثناء الصلاة، ويمنع التقارب والتلامس والعطاس

 

خامسا: تقوم به وزارة الأوقاف سنويًّا بالاستعداد المسبق لشهر رمضان المبارك، فهم المختصون في إعطاء الحكم وإبداء الرأي بما يتناسب مع أجواء كرونا. تماما: كالأطباء في ميدانهم.

 

سادسا: صلاة التراويح في المساجد من الناحية الشرعية، أقل مرتبة من حضور خطبة وصلاة الجمعة، ومع ذلك فقد شرع للأعلى مرتبة الرخصة بقوله: "صلوا في بيوتكم". والحكم للأعلى يشمل الحكم للأدنى.

 

 

 

سابعا: حفظ العباد وعدم تعرضهم للهلاك واجب شرعيّ مناط بأولي الأمر وأهل الحلّ والعقد، وليس للآخرين رأي، سوى إبداء النصيحة وبالطرق الشرعية لا بتراشق التهم والكلام.

 

ثامنا: التزام البيت في أيامنا هذه واجب شرعيّ لا ينبغي التفريط بالأجر والثواب المترتب عليه.

 

وأخيرا: هي فرصة عظيمة أن نجعل من بيوتنا مساجد، وتجتمع في البركات والرحمات بإقامة التراويح والصلوات، في شهر مبارك، ونزيد من الدعاء لعل الله يرفع عن بلادنا وعن أهل الأرض البلاء.. يا ربّنا تقبل منا الصيام والقيم في بيوتا.. آمين.

 

 

agaweed2007@yahoo.com