القلب المطمئن في القرآن الكريم

 (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).

الاطمئنان بمعنى سكون النفس، ثمّ الإيمان بالله لا يعني الاعتقاد بوجوده وحسب، فإنّه من الناس:
(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ) (النمل/ 14).
 
فإنّ الإيمان بوجود الله يجتمع مع الإنكار والجحود، وهذا يعني أنّ الإيمان ليس الإدراك فقط، بل عقد القلب بما يعلمه ويدركه فينشرح صدره، كما في قوله تعالى:
 
(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (الأنعام/ 125).
 
فالمؤمن يطمئنّ قلبه بذكر الله سبحانه، ويخلص من الاضطراب والقلق، وأمّا الخوف من الله فهو يعني الخوف من أعمالنا القبيحة ومن الذنوب التي يرتكبها الإنسان، فإنّ الخوف منشؤه حدوث شرّ في المستقبل. فإذا ذُكّر المؤمن بآيات الله وجلّ قلبه خاف من مصيره، وحينما يذكّر بنعم الله ورحمته فإنّه يطمئنّ قلبه وينيب إلى ربّه، فمن يتوجّه إلى ثواب الله وسعة رحمته فإنّه يسكن قلبه، ويأمل رحمة ربّه، ويركن إلى سعة فضله، فيطمئنّ قلبه وتسكن نفسه، فمن أحسّ وتذكّر ذنوبه فإنّه يضطرب وييأس إلّا أنّه حينما ينظر إلى رحمة الله وغفرانه، فإنّه يسكن ويرتاح. وذكر الله يسكّن آلام القلوب، ومن مات قلبه بالذنوب والمعاصي فحياته بذكر الله وجلاء قلبه بذكر الله، فذكر الله نور ونار، ومن اشتاق إلى رحمة ربّه، فإنّه يدفع عن نفسه اليأس والاضطراب ويزداد إيماناً ويقيناً، كما في قوله تعالى في قصّة إبراهيم الخليل (ع) لمّا اُخبر بالخلّة فطلب منه سبحانه أن يحيي له الموتى، فقال:
 
(أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة/ 260).
 
وقال سبحانه:
 
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) (الفتح/ 4).
 
ومن علائم الإيمان زيادته الصبر، كما في قوله:
 
(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب/ 22).
 
ومن علائمه معاداة أعداء الله حتى لو كان أقرب الناس إليه، كما في قوله:
 
(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (المجادلة/ 22).
 
وهو روح الإيمان، وقوله: (بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، يدلّ على أنّ الإيمان واليقين قابلان للشدّة والضعف، قال الطبرسي: بلى أنا مؤمن، ولكن سألت ذاك لأزداد يقيناً إلى يقيني، وقيل: لاُعاين ذلك ويسكن قلبي إلى علم العيان بعد علم الاستدلال، وقيل: ليطمئنّ قلبي بأنّك قد أجبت مسألتي واتّخذتني خليلاً كما وعدتني.
 
وقوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) (الفتح/ 4)، هي أن يفعل الله بهم اللطف الذي يحصّل لهم عنده من البصيرة بالحقّ ما تسكن إليه نفوسهم، وذلك بكثرة ما ينصب لهم من الأدلّة الدالّة عليه، فهذه النعمة التامة خاصة بالمؤمنين، وأمّا غيرهم فتضطرّ نفوسهم لأوّل عارض من شبهة ترد عليهم ولا يجدون لردّ اليقين وروح الطمأنينة في قلوبهم، وقيل: هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم ويثبتوا في القتال وتحمّل المشاكل والمصاعب من أجل ترويج الدين وإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين.
 
الكافي، بسنده عن أبي خديجة، قال: دخلت على أبي الحسن (ع) فقال لي: إنّ الله تبارك وتعالى أيّد المؤمن بروح منه تحضره في كلّ وقت يحسن فيه ويتّقي وتغيب عنه في كلّ وقت يذنب فيه ويعتدي، فهي معه تهتزّ سروراً عند إحسانه، وتسيخ في الثرى عند إساءته، فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقيناً وتربحوا نفيساً ثميناً، رحم الله امرئً همّ بخير فعمله، أو همّ بشرّ فارتدع عنه، ثمّ قال: نحن نؤيّد الروح بالطاعة لله والعمل به.
 
في نهج البلاغة، عن أمير المؤمنين عليّ (ع): "إنّ الإيمان يبدو لمظة في القلب، كلّما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة". اللمظة: البياض.
 
كما أنّ الإيمان ربما يكون مستودعاً كما في قوله تعالى:
 
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) (الأنعام/ 98).
 
 (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ) (الروم/ 10).
 
قال أبو عبدالله (ع): "ومنهم من يعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألحّ في الدعاء مات على الإيمان".
 
المصدر: كتاب حقيقة القلوب في القرآن




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة