مؤتمر المجتمعات المسلمة يؤسس مجلسا عالميا

 تصدرت قضية الخروج من فقه الضرورة إلى فقه المواطنة، مناقشات المؤتمر العالمي الأول للمجتمعات المسلمة، والذي عقد بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، تحت رعایة الشیخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزیر التسامح بدولة الإمارات العربیة المتحدة.

وتناول المؤتمر الذي عقد على مدار يومي، الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حقوق المسلمين في المجتمعات غير المسلمة.

وشارك في اعمال المؤتمر أكثر من 600 من علماء دين وباحثين وشخصيات رسمية وثقافية وسياسية يمثلون أكثر من 150 دولة حيث استقبلت اللجنة العلمية للمؤتمر نحو 60 بحثا محكما تم طرحها خلال 13 جلسة، بحسب الدكتور محمد البشاري آمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي، وهو أيضا نائب رئيس اللجنة العليا لمؤتمر المجتمعات المسلمة.

وفي ختام اعمال المؤتمر تم إطلاق المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، مؤسسة دولية تهدف إلى تنسيق جهود مؤسساتها في الدول غير الإسلامية، والارتقاء بدورها الوظيفي لتحقيق النموذج الحضاري تشجيعاً لأفرادها للإسهام في نهضة دولهم، وتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمین، وردم الهوة الفكرية والثقافیة والاجتماعية بین مكونات المجتمع الإنساني والعمل على بناء الجسور بین مواطنيه.

وأوصى المؤتمر بضرورة الالتزام بالمبادئ الواردة في جميع المواثيق والمعاهدات الدولية والمؤتمرات والإعلانات والقرارات الدولیة المتعلقة بحقوق الأقليات الدینیة التي تشمل المجتمعات المسلمة في الدول غیر الإسلامية، ولاسيما تلك التي تتعلق بالحريات والحقوق الأساسیة التي تمنع التمييز العنصري والدیني والتطهير العرقي، لما في ذلك من تقویض لأهم الأسس التي قامت عليها الأمم المتحدة، وهي حفظ السلم والأمن الدولیین والدیمقراطیة، واحترام حقوق الإنسان، داعياً إلى ضرورة تشجيع اندماج أبنائها في مجتمعاتهم التي یعیشون فيها، واحترام قوانین دولهم ووحدة أراضيها .

ودان البيان الختامي للمؤتمر، كل الأعمال الإرهابية والمتطرفة بجمیع صورها وأشكالها، وكل الانتهاكات الجسیمة التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية والمتطرفة، لأن الإرهاب والتطرف ظاهرتان عالميتان تتطلبان تضافر جهود المجتمعات والدول في التصدي لها، مشدداً على أن الهدف الأساسي من هذا المؤتمر هو الدعوة لاندماج المجتمعات المسلمة وتدبیر العيش المشترك بأمن وأمان وسلام، واحترام التعددية الثقافية وتشجيعها.

 

وأصدر المؤتمر «المیثاق العالمي للمجتمعات المسلمة»، الذي اعتمده مرجعیة عملیة ومعتدلة تتناسب مع روح الدعوة للعمل المشترك وجوهرها، ويدعو الأمم المتحدة الى إبرام اتفاق دولي ملزم لحمایة حقوق الأقليات وحرياتها الأساسیة مجموعات دینیة وعرقیة ولغویة، ومنع كل أشكال الكراهية والتمییز العرقي والدیني، ومنع الإساءة إلى الآخر وإلى الأدیان، ومنع وتجریم كل أنواع التطهير العرقي أو الدیني، ودعوة دول العالم أجمع إلى تبني مقتضيات هذا الاتفاق والالتزام به وتفعیل مبادئه وتفصیلها وتوضیحها في قوانينها الداخلية بشكل أكثر دقة، وتطوير قانون خاص معني بحقوق الأقلیات الدینیة، ودعوة المسلمين للقيام بواجبهم الوطني تجاه مجتمعاتهم ودولهم في تحقیق السلم والأمن الاجتماعيين والعمل الدؤوب على تحصین أبنائها من التيارات المتطرفة والجماعات الإرهابية.

ودعا المشاركون، المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إلى وضع خطة استراتیجیة للنهوض بدورها الحضاري وتنفيذها، والعمل على تجدید الخطاب الدیني المعتدل، والارتقاء بتدبير الشأن الديني والإمامة والإفتاء والتعلیم أبناء المسلمین، والخروج بفقه التعارف على نحو متكامل ومؤصل تأصیلًا نظرياً وتطبيقياً.

كما دعوا المجلس ذاته إلى وضع وتفعیل خطة استراتیجیة للتنسیق بین مؤسساته والمؤسسات والهيئات والمنظمات الدولیة، ولاسيما مؤسسات العالم الإسلامي، فيما أوصوا باتخاذ التدابیر اللازمة لمعالجة الظروف المسببة لانتشار التطرف والإرهاب بكل أشكاله، سواء كانت سیاسیة أو اجتماعية أو اقتصادية أو فكریة، بهدف استئصاله واجتثاثه من جذوره، ومضاعفة جهود المنظمات الدولیة المعنیة بالشأن الثقافي، لتعزیز الحوار والتسامح والتفاهم بین الأديان والحضارات، وعدم الإساءة إليها أو ازدرائها ولاسيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام الالكتروني والسمعي والبصري.

وحثوا القیادات السیاسیة والدینیة من أبناء المسلمین، على الامتناع عن استخدام خطاب التعصب ورسائله، التي قد تبث في مواقع التواصل، أو عبر أية أداة من أدوات الاتصال، من شأنها أن تحرض على الكراهية أو التطرف أو العنف أو الإرهاب، داعين إلى دعم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام المختلفة لتغطية أخبار مسلمي البلدان غیر الإسلامية، ونشر ثقافة السلام والتسامح، عبر إنشاء مواقع إلكترونية لنشر أفكار التسامح، ومواجهة كل أشكال التطرف، مع تنظیم الدورات التدريبية والورش للتقریب بین الحضارات والأدیان. كما دعوا إلى تفعیل مجموعة من برامج التدریب لمجموعة من المؤثرین وقادة رأي المجتمعات المسلمة في الدول غیر الإسلامية، لنشر ثقافة التعايش والتسامح، وكذلك حث رجال الأعمال والمؤسسات المانحة على دعم المبادرات التي تهدف إلى تعزیز قیم التعايش والتسامح، وتكوین لجنة مهنية لمتابعة توصیات المؤتمر .

وشهدت فعاليات اليوم الثاني، إعلان تفاصيل تأسيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة وأهدافه، الذي يتخذ من أبوظبي مقراً له، إذ أفاد المنظمون بأن المجلس سيصنف مؤسسة دولية تهدف إلى تنسيق جهود مؤسسات المجتمعات المسلمة في الدول الإسلامية والارتقاء بدورها الوظيفي، ولا يسعى لأن يكون بديلاً عن المؤسسات المحلية العاملة في هذا المجال، بل يعمل على مساعدتها.

ويسعى المجلس إلى تحقيق 10 أهداف هي «تعزيز التنسيق بين المؤسسات الناشطة في المجتمعات المسلمة، وتبادل الخبرات فيما بينها والتنسيق مع المؤسسات الحكومية والمنظمات المحلية، والعمل على تأصيل التعددية الثقافية واحترام الخصوصيات الثقافية والفكرية».

كما يستهدف العمل على تعزيز قيم الاعتدال والحوار والتسامح والانتماء للوطن ونشرها ونبذ التطرف الديني والكراهية للآخر، وتأكيد الحقوق المدنية والسياسية للمجتمعات المسلمة، وتأصيل خطاب ديني يساعد على تمكين المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية.

ويسعى إلى تحصين المجتمعات المسلمة من خطر الجماعات الدينية المتشددة ومواقعها الإلكترونية، مع تفعيل الآليات الأكاديمية والمهنية والقانونية والحقوقية لتصحيح صورة الإسلام.

وتتسع أهداف المجلس لتشمل تأهيل الأسر والنساء والشباب والأطفال في التربية، والإضاءة على نجاحات أبناء المجتمعات المسلمة في الغرب، وإعداد القيادات في المجتمعات المسلمة .

وتضمن اليوم الثاني 7جلسات تناولت التحديات التي تواجه الأقليات المسلمة، إذ تطرقت جلسة «تنامي ظاهرتي التطرف الديني والإسلاموفوبيا» إلى بحث جذور التطرف وأسبابه، وأوضحت سوزان ديفس، رئيسة مفوضية العلاقات العرقية، بنيوزلندا، أن هناك خوفا من الإسلام بشكل عام، بسبب الصورة المغلوطة التي يروجها البعض عنه .

وقال الدكتور شيرمان جاكسون، صاحب كرسي الملك فيصل، أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة جنوب كاليفورنيا، إن دعاة الإسلاموفوبيا يستغلون قصر نظر المسلمين الأمريكان وخوفهم الدائم من أن يُنظر إليهم على أنهم غرباء، لأن المسلمين في الولايات المتحدة ضعفاء، رغم أنهم جزء من المجتمع.

وأشار يورجن نيلسون، وزير سابق من الدنمارك، إلى أن الثورة الإيرانية والحرب في أفغانستان وما حدث في العراق وكوسوفو، أثرت في المجتمعات المسلمة في الغرب وأسهمت في تشويه صورتها.

وتناولت جلسة «وضع الوجود الإسلامي في الدول غير الإسلامية» برئاسة محمد سالم بوكا، المدير العام لاتحاد إذاعات العالم الإسلامي مفهوم الجالية إلى المواطنة ووضع المجتمعات المسلمة في السياق العالمي والتحديات التي يواجهها مسلمو الهند.

واستعرض الدكتور يحيى بالافيسيني، رئيس المجتمع الإسلامي بإيطاليا، ورقة بحثية بعنوان «المسلمون الأوربيون»، فندت التحديات الرئيسية التي يواجهونها ».

ورأى الشيخ حسان موسى، نائب رئيس مجلس الإفتاء بالسويد، أن أخطر ما يواجه الإسلام والمسلمين، انتشار فكر الإسلام السياسي وقال «إذا بحثنا في كل أسباب الخراب والدمار في الدول الإسلامية والعربية نجد أن جماعات الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين كانتا السبب الرئيسي في كل المصائب التي تحل على العالم».

وأوضح الدكتور يوسف هالار، رئيس المنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية بالأرجنتين، أن وضع المسلمين فيها يشهد تنوعا ثقافيا، ورأى أنه وبغض النظر عن انتمائهم للدين الإسلامي فهم ينتمون أيضاً إلى ثقافة أخرى تتعارض في بعض الأحيان مع دينهم.

وتحدث الدكتور إيدومي موتو، مدير جمعية المسلمين باليابان، عن وضع الأقليات المسلمة فيها، بعرض ورقة بحثية بعنوان «المقيمون المهاجرون والمواطنون الأصليون» .

الميثاق يهدف لتحقيق الأمن الفكري والسلم الاجتماعي

 

يتضمن الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة، الذي جاء في أربعة أبواب و13 فصلاً، أهداف الإصدار، وأسس المساواة في الحقوق والحريات بين المسلمين وغير المسلمين، وحقوق المسلمين في الغرب وواجباتهم، وواجبات المؤسسات الإسلامية. كما تطرق إلى آلية التعاون مع الحكومات والمجتمع الدولي. وحسب المشروع فإن الهدف من إصدار الميثاق هو جمع كلمة المسلمين وتوحيدها، وتحقيق الأمن الفكري الروحي والسلم الاجتماعي، والرقي الحضاري في إطار التعايش السلمي مع الغير، تحت سقف سيادة الدول التي يعيشون فيها ووحدتها الوطنية.

و يستهدف الميثاق تصحيح الأفكار الخاطئة والصور النمطية التي التصقت بالإسلام وباتت تغذي ظاهرة «الإسلاموفوبيا» وهو ما جلب على المسلمين ويلات العنف والكراهية، فضلا عن دعم قيم الخير والتعارف والحوار والتفاهم والاعتدال والتسامح والتضامن والعدل والسلم بين مختلف الشعوب والطوائف.

ويسعى إلى تحصين الجيل الحالي والأجيال القادمة بالشراكة مع جميع الدول من كل أشكال الاضطهاد والعنف والتمييز والإقصاء والتهميش ومن كل انتهاكات حقوق الإنسان لاسيما تلك القائمة على الدين، والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والإسهام في بناء الثقة بيننا وبين حكوماتنا بما يخدم تحقيق أهداف السلم الأهلي والمجتمعي والعالمي والعدالة الاجتماعية والصداقة بين الشعوب.

 





آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة