لماذا نحب النبي صلى الله عليه وسلم .. فضيلة الدكتور أحمد الحسنات

 يقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، فمن أراد استجلاب محبة الله تعالى فطريقها محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن للإنسان أن يكون محبوباً لله تعالى إلا إذا أحب رسوله ، وحينما نتكلم عن محبته صلى الله عليه وسلم، فلا نتكلم عن محبة شخصية عادية، بل نتكلم عن محبة شخص جمع الله تعالى فيه ما تفرق من معاني الحسن والكمال والجمال والجلال البشري.
فإذا كان يوسف قد أعطي نصف الحسن فإن محمدا قد أعطي الحسن كله، فكان صلى الله عليه وسلم أجمل من البدر، فقد روي أن أحد الصحابة رأى النبي صلى الله عليه وسلم ورأى البدر في ليلة مقمرة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أجمل من البدر، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (اسْتَعَرْتُ مِنْ حَفْصَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ إِبْرَةً كُنْتُ أَخِيطُ بِهَا ثَوْبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَقَطَتْ عَنِّي الْإِبْرَةُ، فَطَلَبَتْهَا فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَيَّنَتِ الْإِبْرَةُ لِشُعَاعِ نورِ وجهِه) رواه أبو نعيم في الحلية.
 
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ وَلَا بِالقَصِيرِ المُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالجَعْدِ القَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجِلًا وَلَمْ يَكُنْ بِالمُطَهَّمِ وَلَا بِالمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ العَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ، جَلِيلُ المُشَاشِ، وَالكَتَدِ، أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ شَثْنُ الكَفَّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا التَفَتَ التَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ" رواه الترمذي.
 
ووصفته أم معبد بقولها: "رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِيهِ صَعْلَةٌ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنَيْهِ دَعِجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَجْمَلُهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلًا، لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ، يَتَحَدَّرْنَ رَبْعَةٌ لَا تَشْنَأَهُ مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ، قَدْرًا لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ: سَمِعُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنَّدٌ" رواه الحاكم في المستدرك.
هذا في جانب خَلْقه، أما خُلُقه صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع أحد مهما أوتي من علم وصفَ خُلق النبي صلى الله عليه وسلم، لذا فقد تولى الله تعالى بنفسه بيان خُلق النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، فالله تعالى وصفه بأنه على على الأخلاق كلها بمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فوق عرش الأخلاق والأخلاق كلها تحت منزلته.
 
فهو الذي تم معناه وصورته          ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
 
فتقرأ في شجاعته ما يفوق كل شجاعة، فهو الذي لم يولّ ظهره للعدو قط، وينادي على نفسه وقد داهمه العدو وتفرق عنه الناس يوم حنين: (أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ) متفق عليه، فليعرفه من لم يعرفه.
وأما في باب الرحمة فلا تجد نبياً من الأنبياء ولا ملكاً من الملائكة المقربين أعطي من الرحمة ما أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك سماه الله تعالى رحمة للعالمين، وسمى نفسه عليه الصلاة والسلام (الرحمة المهداة)، وأكاد أجزم أنه لا توجد رحمة تفوق رحمة النبي صلى الله عليه وسلم من الخلق، فرحمة النبي صلى الله عليه وسلم لم تقف عند حد، وليست خاصة بالمؤمنين كما سماه الله تعالى {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، بل هو رحيم حتى بأعدائه، فلم ينتقم منهم بعد أن قدر عليهم، ولم يدع عليهم، بل كان يدعو لهم ويقول في دعائه: (اللهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أخرجه البخاري، حتى في أشد لحظات الأذى والاضطهاد ما دعا على قومه، ولنا في الطائف أكبر مثال، ولم يقف الحد عند رحمته بالإنس بل تعدى ذلك إلى رحمته بالحيوان والنبات وحتى الجمادات.
 
وأما في جانب حلمه وعفوه فلم ير التاريخ الإنساني أحلم ولا أرحم من رسول الله بل كان كلما ازداد قومه له إيذاءً وتعذيباً ازداد عليهم عفواً وحلماً، فكل الأنبياء السابقين دعوا على أقوامهم إلا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقد دعا لهم ولم يدع عليهم بل ادخر دعوته لتكون شفاعة لهم يوم القيامة كما قال عليه الصلاة والسلام: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي) أخرجه البخاري، وهو الذي يقف يوم القيامة على الصراط ينتظر أمته لتمر عليه ويقول: (رب سلم سلم)، ويقول لربه متوسلاً إليه (رب أمتي أمتي، لا أسألك اليوم نفسي، ولا فاطمة ابنتي) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية.
ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى      وحاشاك أن ترضى وفينا معذب
وهو الذي حمل هم أمته قبل أن يراهم: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي)، قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي) أخرجه أحمد.
 
ومع كل ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من الصفات الراقية التي يقف لها العالم إجلالا واحتراماً، هو أيضاً قد قدم لنا وللبشرية كلها أعظم منة وأجل نعمة، فبه أخرجنا الله من الظلمات إلى النور، وبه صرنا أمة عزيزة مهابة الجانب، بعد أن كنا قبائل متفرقة متناحرة.
 
ولتعلموا أن محبته ليست نافلة من الأمر، وإنما هي واجب شرعي أوجبه الله علينا {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]. وقال عليه الصلاة والسلام: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ) متفق عليه، وقال لعمر لما أخبره أنه يحبه أكثر من كل شيء إلا من نفسه: (لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ)، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الْآنَ وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْآنَ يَا عُمَرُ) أخرجه البخاري.
وبعد كل هذا أعرفتم لماذا نحب رسول الله. 
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة