مؤتمر دور الفتوى في استقرار المجتمعات

السوسنة - حذر مفتي لبنان الدكتور عبداللطيف دريان من خطورة استمرار زيادة موجة العداء للإسلام في العالم بسبب ربطه ظلماً وعدواناً بالإرهاب الذي يجرمه الإسلامي ويكتوي به، ومن صورة الجرائمُ التي يَتَعَرَّضُ لها مسلمو الروهينغيا، على يَدِ القُوَى العَسكرِيَّةِ الفاشِيَّةِ في ميانمار، التي بلغَتْ أقصَى دَرَجاتِ التَّطهيرِ العِرقِيِّ والدِّينِيّ . وهي أسوأُ جرائمَ ضِدُ الإنسانِيَّةِ مُنذُ جَريمَةِ الإبادةِ الجَمَاعِيَّة، التي تَعَرَّضَ لها المسلمون في البوسنة – الهرسك، قَبلَ.

 
 
وقال دريان الذي تحدث الأربعاء في المؤتمرِ الثالثِ للأمانةِ العامَّةِ لِدُورِ وَهَيئَاتِ الإفتاءِ في العَالم، تَحتَ عُنوان (دَورُ الفَتوَى في اسْتِقرارِ المجتمعَات)، والذي تنظمه دار الإفتاء المصرية، أن من مظاهر الإرهاب، اِرتفَاعُ مَوجَةِ العِداءِ لِلإسلامِ في العَالَم  مِنْ خِلالِ رَبْطِهِ ظُلماً وَعُدوَاناً بالإرهاب، وما تَتَعرَّضُ له القُدسُ عامَّة، والمَسجِدُ الأقصَى بصورةٍ خاصَّة، مِنَ انتِهاكَاتٍ تَستهدِفُ تَهوِيدَ مُقدَّسَاتِنَا الإسلامية، وَتَصْفِيَةَ الوجودِ العَرَبِيِّ الإسلامِيِّ في المدينةِ التي أُسْرِيَ إليها برسولِ اللهِ محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسَلّم، ومِنها عُرِجَ به إلى السمواتِ العُلى.
 
إننا لا نَستَطِيعُ أنْ نَتَصَدَّى لِهذِهِ التَّحدِّياتِ الوُجُودِيَّةِ الخَطِيرة، مَعَ اسْتِمْرارِ تَفَرُّقِنَا وَتَخَاصُمِنَا.
 
وأضاف مفتى لبنان: َلا نَسْتَطِيعُ أنْ نَتَصَدَّى لهذه المظاهر، إذا وَاصَلَ السُّفَهَاءُ مِنّا، تَشْوِيهَ سُمْعَةِ دِينِنا، الذي ارْتَضَاهُ اللهُ لنا، وَجَعَلَهُ عِصْمَةَ أمْرِنَا ..إنَّنَا نَستَطِيعُ أنْ نَتَصَدّى لها، وَيَجِبُ أنْ نَتَصَدَّى لها، إذا ما التزَمْنا دَعوَةَ اللهِ لنا، أنْ نَعْتَصِمَ بِحَبْلِهِ المَتِين، وَقُرآنِهِ الحَكِيم، وَشَرْعِهَ القَوِيم، وَطَرِيقِه المُستَقِيم.
 
نَسْتَطِيعُ أنْ نَتَصَدَّى لها، باسْتِجَابَتِنَا لِنَصِيحَةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وَسَلَّم، الذي تَرَكَ فِينَا أمرَين، لنْ نَضِلَّ مَا إنْ تَمَسَّكْنَا بِهِما، كِتابُ اللهِ وَسُنَّتُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم.
 
وَلكِنَّنا لا نَستطِيعُ أنْ نَفْعَلَ ذلك، إذا تَرَكْنَا أُمُورَنَا لِلسُّفَهَاءِ مِنَّا، الذين يُفْتُونَ بِغَيرِ عِلم، والذين يَفْتَرُونَ على اللهِ كَذِبًا.
 
وأشار دريان إلى أننا لن نَستَطِيعُ المواجهة، إذا اسْتَخْفَفْنَا بالأَضْرَارِ الفَادِحَة، التي تَلْحَقُ بالإسلامِ سُمْعَةً وَصُورَةً مِنْ جَرَّاءِ الجَرائمِ التي تَرْتَكِبُها باسْمِه، حَفْنَةٌ صَغِيرَةٌ مِنَ الضَّالِّين، وَمِنَ الذين غَضِبَ اللهُ عليهم، الذين خَرَجُوا عَنْ صِرَاطِ اللهِ المُستَقِيم.
 
 وقال مفتي لبنان: نحن نَرَى بِالتَّجْرِبَة، أنَّ فَتَاوَى الحَيَاةِ اليَومِيَّة، مَا تَزَالُ شَدِيدَةَ الأَهَمِّيَّة. وَذَلكَ لِأنَّ العَامَّةَ تَتَوَجَّهُ بِها إلى العُلَماء، عَبْرَ العَدِيدِ مِنَ الوَسَائل، لِمَعْرِفَةِ الحُكْمِ الشَّرعِيّ. هذه الصِّلةُ الوَثِيقَةُ وَالحَافِلَةُ بالثِّقَةِ بَينَ السَّائلِ وَالمَسؤُول، وَالعَلاقَةُ القَوِيَّةُ مِنْ جَانِبِ الجُمهورِ الكثيف بِدُورِ الفَتوى، وَالإحْسَاسُ مِنْ جَانِبِ المُسْتَفْتِي، أنَّهُ يَستَطِيعُ الاعْتِمَادَ على عُلَمَاءِ المُؤَسَّسَةِ في صَوْنِ دِينِه، وَالإِعَانَةِ على اتِّبَاعِه، أمَّا الفَتَاوَى المُتَعَلِّقَةُ بِكِبَارِ المَسَائلِ الدِّينِيَّةِ وَالوَطَنِيَّة، فَهِيَ لا تَعْتَمِدُ على الأَفْرَادِ غَالِباً، وإنَّما على المَجَامِعِ العِلمِيَّةِ وَالبَحْثِيَّة، وَتَنْفَعُ فِيهَا قَضَايا الاجتهادِ الجَمَاعِيّ.
 
فَدُورُ الفَتوَى لَيسَتْ حَكَماً بَينَ الدَّولَةِ والثَّائرِين، بَلْ هي مَعَ الدَّولةِ التي يَنْبَغِي أنْ تَبْقَى لِكُلِّ المُوَاطِنِين، حِمَايَةً لِحَيَاتِهِم، وَحُقُوقِهِمْ وَحُرِّيَّاتِهِم، وَمَنْعاً مِنَ الانْدِفَاعِ مَعَ الأهواءِ التي تُهَدِّدُ أمْنَ الدَّولةِ وسلامَتَها، وَسَلامَةَ  مُوَاطِنِيْها.
 
والتَّأَهُّلُ وَالتَّأْهِيل، هذانِ هُمَا اللَّذانِ يُشَكِّلانِ مَعاً، (الخِطَابَ الدِّينِيّ) الذي تَحْفِلُ وَسَائلُ الإعلامِ وَكَلِمَاتُ المَسْؤُولِينَ بِالدَّعوَةِ لِإصْلاحِه. ولدينا أمرانِ أو خِيَارَان: التَّركِيزُ على الاخْتِصَاصِ والتَّخَصُّص، سَواءٌ لِجِهَةِ الفَتَاوَى العَامَّة، أو لِجِهَةِ الإرشَادِ العَامّ. فلا يَظْهَرُ وَلا يَتَحَدَّثُ إلا المُخْتَصُّون، المُكَلَّفُونَ وَالمُدَرَّبُون.
 
والضَّوَابِطُ لِلفَتْوَى وَالإرشَاد، وَهِيَ أنواعٌ عِدَّة:
 
الأَوَّلُ وَالأسَاس: مَعرِفَةُ ثَوَابِتِ الدِّين.
 
والنَّوعُ الثَّانِي مِنَ الضَّوَابِط: يَتَّصِلُ بِآدَابِ الفَتوَى ذَاتِها. وَيَدْخُلُ فيها التَّأَهُّلُ وَالتَّأْهِيل، فَبِسَبَبِ التَّحْرِيضَاتِ في الدِّينِ والانْشِقَاقَات، صَارَتِ الفَتَاوَى خَطِيرَة، لِأَنَّهَا لا تَتَعَلَّقُ بِالقَضَايَا التَّفْصِيلِيَّة، بَلْ بِالخِطَابِ الدِّينِيِّ العَامّ. وَلِذَلِك، فَإنَّهُ في المَجَالِ العَامّ، يُصْبِحُ مِنْ آدابِ الفَتوَى أنْ يَكونَ القَرَارُ مُؤَسَّسِيّاً، وَالحِكْمَةُ وَالجُرْأَةُ تَظَلَّانِ صِفَتَينِ مَطْلُوبَتَينِ في عَمَلِ أهْلِ الفَتوَى.
 
 يُعلِّمُنا القُرآنُ الحَكِيم، أنَّ اللهَ لنْ يُغَيِّرَ مَا بِقَومٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم. وَمَا هذا اللِّقَاءُ والمؤتمرُ المُبَارَكُ بِإِذْنِ الله، سِوَى حَرَكَةٍ إسلامِيَّةٍ جَمَاعِيَّةٍ في الاتِّجَاهِ الصَّحِيح. في اتِّجَاهِ تَغيِيرِ مَا بِأَنْفُسِنا. وَليسَ أَولَى مِنْ عُلمَاءِ الأُمَّةِ المُجْتَمِعِينَ هُنا، وَبِدَعوَةٍ كَرِيمَةٍ مِنْ دَارِ الإفْتَاءِ المِصرِيَّة، في قِيَادَةِ حَرَكَةِ التَّغيِير، التي تُعِيُد للإسْلامِ دَورَهُ الرُّوحَاِنيَّ والإنسَانِيَّ البنّاء، رِسَالَةَ سَلامٍ لِلْعَالَمِين.
 
وأوضح دريان: إن الانْتِهَاكَاتِ وَالافْتِرَاءَات، تُشَكِّلان وَجْهَينِ لِعُملةٍ وَاحِدَة، هي تَشْوِيهُ صُورةِ الإسلام، وَكُلٌّ مِنهُما تُبَرِّرُ الأُخرى وَتُغَذِّيهَا على حِسَابِ الحَقِيقَةِ وَالحَقّ، وقال: وَلِذلِك، فإنَّ مُهِمَّتَنَا الأُولى، هي أنْ نُبَدِّدَ هذه الافْتِرَاءَات، وَأنْ نَتَصَدَّى لِهذهِ الانْتِهَاكَات، بِالعِلمِ وَالمَنطِق، وَالحِوَارِ البناء.