عاشوراء في الإسلام وأحداث وقعت به - د.خالد ملكاوي

عاشوراء هو يوم العاشر من شهر المحرم و له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، وصومه لفضله كان معروفا بين الأنبياء عليهم السلام وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام، روى البخاري ومسلم والأمام أحمد واللفظ لمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الْمدينة، فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟" فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَىَ اللهُ فِيهِ مُوسَىَ وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَىَ شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَىَ بِمُوسَىَ مِنْكُمْ". فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. اهـ ، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. اهـ و هذا الحديث صريح في أن أفضل ما تُطوعَ به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم ويسن أيضا صيام تاسوعاء، وهو تاسع المحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: “لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىَ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ” رواه مسلم. ولكن مات رسول الله قبله. بل نصّ الإمام الشافعيُ رضي الله عنه في كتابه الأم وكتابه الإملاء على صوم التاسوعاء والعاشوراء والحادي عشر  قاله الشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعًا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صام العاشر ونوى صيام التاسع.

 
 
 
قال بعض العلماء: ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر. وقال بعضهم: وحكمة صوم يوم تاسوعاء مع عاشوراء الاحتياط له لاحتمال الغلط في أول الشهر ولمخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر، والاحترازُ من إفراده بالصوم كما في يوم الجمعة، فإن لم يصم معه تاسوعاء سُنّ أن يصومَ معه الحادي عشر ، ويستفـــاد من صوم النبي ليوم عاشوراء جواز فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، ويستفاد منه أيضا ضرورة مخالفة اليهود وعدم التشبه بهم ولذلك قال الرسول: " لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىَ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ". فالرسول يعلمنا أن نخالف غير المسلمين وأن لا نتشبه بهم ،   وأما صيام الرسول لهذا اليوم مع أن اليهود كانوا يصومونه فقد فسره الرسول بقوله: " نحن أَوْلى بموسى منكم" فصامه شكرًا لله على نعمة نجاة سيدنا موسى عليه السلام.
 
 
 
 إن العاشر من المحرم، أي يوم عاشوراء، مليء بالخيرات والفضائل والحوادث والعبر والصبر والدروس، وهو مشهورٌ عند الأواخر والأوائل هو يوم خصصه الله تعالى بأَن قبل فيه توبة سيِّدنا ءادم عليه السَّلام بعد أن ارتكب ذلك الذنب الذي هو ليس من الكبائر وليس كفرًا ولا هو صغيرة تدل على خسَّة ودناءة. إنما كانت معصيةً من الصغائر التي ليس فيها ذنبٌ عظيم. وكذلك في هذا اليوم العظيم عاشوراء رست سفينة سيدنا نوح عليه السلام فاستوت واستقرت على جبل "الجودي" قرب مدينة الموصل في العراق بعد أن مكثت حوالي مائة وخمسين يومًا على الماء، وكان فيها نبي الله نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين والبهائم التي أمر الله سيدنا نوحًا أن يجعلها على سفينته.
 
 
 
وفي يوم عاشوراء، نجى الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام والذين معه واتبعوه من بني إسرائيل، حيث كانوا يرزحون تحت حكم فرعون وكان فرعون جبارًا طاغيًا إدعى الألوهية وقال لأهل مصر"أنا ربكم الأعلى". فأرسل اللهُ النبي موسى وأخاه هارون عليهما السلام إلى فرعون، فلما قابلاه دعياه إلى دين الإسلام وأمراه بعبادة الله تعالى وحده ، ولكن فرعون عاند ولم يؤمن وأظهر جبروته. فأمر الله تعالى سيدنا موسى أن يخرج بمن ءامن معه واتَّبعه من بني إسرائيل من مصر، فسار بهم وعددهم ذلك اليوم ستمائة ألف. ولحق بهم فرعون الطاغية ومعه مليون وستمائة ألف من الجنود مجهزين بخيلهم وسلاحهم ليبيدهم. ولما وصلوا إلى البحر وكان يتلاطم بأمواجه الهائلة أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، فلما ضربه انفلق بإذن الله اثني عشر فرقا بين كل فرقين طريق يبس. وهكذا إجتاز موسى عليه السلام ومن كان معه من المؤمنين البحر. ثم جاء فرعون بعدده وعدته ووجد البحر صار فيه شقوق، فقال مغرورًا بقوته وجبروته: لنلحقهم وندركهم. فلما دخل البحر أمر الله عز وجل البحر أن يلتطم عليهم، فالتطم عليهم فهلك هو وجنوده غرقًا في البحر. فقال بعض أتباعه إنه اختفى ولم يمت. فأظهر الله تعالى جسدهُ فوجد ميتا منتفخا.
 
وأما يونس عليه السلام أرسله الله إلى أهل نينوى كانوا في أرض الموصل بالعراق ليدعوهم إلى الإسلام وكان عددهم أكثر من مائة ألف، بقي ثلاثا وثلاثين سنة، يدعوهم إلى الإسلام ولم يؤمن به غير رجلين. فتركهم وخرج قبل أن يأمره الله، وقال تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ومعنى ﴿ مُغَاضِبًا ﴾ لقومه لا لربه، فظن أننا لن نضيق عليه لتركه لقومه. فركب يونس السفينة ثم هاج بهم البحر واضطرب بشدة فقال من في السفينة: إن فينا صاحب ذنب، فأسهموا واقترعوا فيما بينهم على أن من يقع عليه السهم يلقونه في البحر، ثلاث مرات وتقع القرعة على يونس. فأراد يونس أن يلقي نفسه في البحر، وهو يعرف أنه لا يتضرر، ولا يريد الانتحار لأن الانتحار ذنب كبير والأنبياء لا يحصل منهم ذلك، فالتقطه الحوت، ومكث ثلاثة أيام في بطن الحوت، فهناك في ظلمة الليـــل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت سمع تسبيح الدواب ﴿ فنادى أن لا اله إلا أنت سبحانك اني كنتُ من الظالمين﴾.  فأمر الله الحوت أن يلقيه في البر، فألقاه بالعراء وهو المكان القفر ليس فيه أشجار وهو مريض ولم يخدش الحوت له لحما ولم يكسر له عظما، وأنبت الله له شجرة اليقطين الذي لا يقربه ذباب وورقه في غاية النعومة وورقه كبير ليظلله. أما قومه لما أدركوا أنهم سيعذبون، أرادوا التوبة فبحثوا عن يونس فلم يجدوه فألهمهم الله التوبة وءامنوا بالله وبرسوله يونس.
 
وأعطى الله في هذا اليوم الملك لسليمان عليه السلام، الله أعطاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، كان غنيا جدا. سيدنا سليمان عليه السلام كان يطعم كل يوم مائة ألف نفس، وحين يقلون يطعم ستين ألفا، كان يذبح كل يوم آلاف الذبائح من البقر والغنم ويطعمها الناس ويطعمهم خبز القمح الصافي، أما هو لنفسه كان يأكل خبز الشعير يبله في اللبن الحامض ويأكله ولذلك لزهده عليه السلام مع أن الله أعطاه ملكا ما أعطاه لغيره.
 
وكشف الله عن أيوب عليه السلام الضُّر في هذا اليوم أيضا. نبي الله أيوب عليه السلام ابتلاه الله في جسده وفي ماله وفي أولاده، تلف ماله، ومات أولاده، ومرض ثمانية عشر عامًا، ولكن ليس مرضا منفرا كخروج الدود، فصبر ولم يزدد إلا تسليما لله ، فزاده الله درجات ورد له صحته وعافيته ورزقه الله المال وأعطاه بدل ما فقد من الأولاد أكثر مما كان له.
 
 وفي يومِ عاشوراءَ أنقذ الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام من النمرود ، ورد الله سيدنا يوسف على سيدنا يعقوب عليهما السلام ، وفيه حصلت غزوة ذات الرقاع ، وفي يوم عاشوراء في يوم الجمعة في سنة إحدى وستين من الهجرة قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي ابن بـنته فاطمة رضي الله عنهما، على أيدي فئة ظالمة فمات الحسين شهيدا، وهو ابن ست وخمسين سنة وهو الذي قال فيه جده صلى الله عليه وسلم وفي أخيه:”الحسنُ والحسينُ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنّة”
 
إن ليوم عاشوراء فضائل كثيرة كما أسلفنا وفيه عبر ودروس فلنقف عليها ولنقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم في شكر الله عز وجل في هذا اليوم والدعاء فيه عسى أن يجعل الله فيه لنا ولأمتنا فرجا قريبا.




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة