مفهوم النصيب ، بين المعنى السلبي المتوارث والمعنى الحق - الدكتور أحمد عمارة

 السوسنة - النصيب بمفهومه المتوارث عبر الآباء والأجداد "خدعة"

النصيب بمعناه الحق وفق ميزان الحق الذي يحكم به الله والذي ينتشر في الكون رغم أنف كل المخلوقات "حقيقة"
وما بين هذه الخدعة وهذه الحقيقة يضيع كثير من البشر الذين ينقادون لكلام الموروث دون تدبر ولا تفكر في كلام الله وسننه وتعاليمه
الإيمان "بخدعة النصيب المتوارثة" يقود الشخص للإحباط والألم والمرارة في الداخل ، ويؤدي به لا شعوريا إلى النفور من رب العباد ووالنفور مما يحدث له من مواقف ، حتى وإن ظل خارجيا يظهر للناس أنه راض مستسلم لنصيبه المزعوم .
ولأن مجتمعنا في الفترة الماضية أصبح جل اهتمامه المظاهر ، وأصبح معظم تعليمه الديني "تلقيني" دون فقه ووعي ، فأصبح الناس يهتمون بإظهار مظاهر الدين على حساب ما يشعرونه في الداخل في الحقيقة . وهذا أدى إلى ظهور العديد من المشاكل النفسية والجسمية والحياتية في حياة الناس .
كثير ممن أقابلهم من حالات في مختلف دولنا العربية ممن لا يحققون أهدافهم أو ما يريدون في الدنيا يتحججون بالنصيب . يتحججون به وفق البناء المعرفي الذي فهموه من الموروث.
فالنصيب عندهم : شيء ليس له قوانين ولا معايير ، شيء هوائي يفرض عليك من الخالق عز وجل ودورك أن ترضى به دون تذمر لأنه نصيبك ولابد أن يصيبك شئت أم أبيت .
فظن الكثير بناءا على هذا الفهم المغلوط لكلمة النصيب ، أن هناك بشر نصيبهم الرزق والغنى ، وهناك بشر نصيبهم الفقر والضيق . هكذا بهلامية وعشوائية وبلا قوانين ولا ضوابط ! فيظل الفرد منهم خائفا أن يكون ممن قادهم سوء حظهم لأن يكون نصيبهم الفقر أو المرض!!!
الأكثر سوءا أن من يظن أن نصيبه الفقر ، يعتقد في قرارة نفسه أن هذا هو مراد الله وما كتبه عليه وأنه سيظل هكذا طوال حياته ولابد له من أن يرضى بالنصيب وإلا ستتحول حياته للأسوأ ..
اعذروني إن قلت أن من المضحك أن متبعي مفهوم النصيب السلبي ، يعتقدون أن النصيب يزداد سوءا إن لم يرضو !!!!! أي أن النصيب تغير من سيء لأسوأ بسبب ما فعلوه ، لكنهم لا يعتقدون أن النصيب يتبدل من سيء لأحسن !!!! هم فقط يعيشون في الجانب السلبي بدرجاته فقط !!!
سمعت أب ذات يوم ينصح ابنه غاضبا فيقول : اللي بيحصل لك في حياتك نصيب ربنا كاتبه عليك ، وهتفضل بيه طول حياتك ، ولو لم ترض سيزداد سوءا !!!
فابتسمت وقلت له : طيب رد فعل ابنك على هذا النصيب زاده سوءا ،، ألا يوجد في هذا النصيب رد فعل لو فعلته يتحول إلى خير ؟؟؟؟ فنظر إلي الأب مشدوها وكأنما أول مرة يفكر بهذه الطريقة !
نصيحة من قلب شخص يحبكم جميعا بلا استثناء حبا غير مشروط ، رسالته في حياته أن يرشدكم لكل ما يجعل حياتكم جنة في الدنيا قبل أن تتذوقوا جنة الآخرة بمشيئة الله .
النصيحة : قبل أن تتبن مفهوما وتؤمن به وتعتقده ، راجع مدلوله ومعانيه في كتاب الله الأخير "القرآن" لتعرف معناه الحقيقي الصحيح ، لأننا واقعين في هذا الوقت في أزمة مفاهيم قد تلاعب بها شياطين الجن والإنس طوال الفترة الماضية في غفلة من بني البشر وقاموا بتحويل معاني المفاهيم الإيجابية إلى أفعال سلبية مدمرة نفسيا مع الاحتفاظ بالاسم الإيجابي مما أدى إلى ضياع الكثير من الناس ، وهذه من أحد أهم أدوات الحرب النفسية غير المعلنة التي يجهلها معظم البشر .
النصيب كلمة حقيقية ، معناها الحقيقي أن لكل شخص نصيب بناءا على ما يفعله في حياته ،، أي أن النصيب ليس شيئا هلاميا بلا ضوابط ، بل هو مرتبط ارتباطا وثيقا بما تفعله في حياتك ، ويتغير فورا ولحظيا بمجرد تغيير ردود أفعالك على المواقف في الحياة ، فلو جلست أمام كوب ماء دون أن تحرك يديك لتشربه فستكون النتيجة العطش ،، أما لو حركت يديك وأمسكت كوب الماء ووجهته تجاه فمك فسيتغير نصيبك فورا ويصبح نصيبك ارتواء ..
هذا ينطبق على كل شيء في الحياة ، نصيبك يتغير لحظيا ويوميا بناءا على الأفعال التي تفعلها في هذه الدنيا ..
مزيد من الأمثلة :
- طالب يضيع الوقت ولا يذاكر تكون نتيجته رسوب ، لكن عندما يبدل ويحسن ما في نفسه ويبدأ في استذكار المعلومات يكون نصيبه نجاح .
- فتاة تجلس في بيتها في انتظار "نصيبها" المزعوم ستكون النتيجة في الغالب أقل بكثير مما تتطمح له وترغبه ، لكن إن أخذت بالأسباب وقامت بالسعي ببعض الطرق التي قمت أنا بتوضيحها في أكثر من لقاء تليفزيوني بعنوان "السعي من أجل شريك الحياة" أو في كورسات "اختيار وجذب شريك الحياة" سيتحول نصيبها إلى أفضل مما تتخيل من مواصفات لشريك الحياة .
- شاب يحصر نفسه في بعض المحاولات الفاشلة من أجل العمل يظن أن نصيبه البطالة سيظل هكذا حتى يقوم بتعديل ما في نفسه والعمل الجاد من أجل الوصول لأحلامه فسيتحول نصيبه عندها إلى رزق وعمل جيد وتطور مستمر .
هذا هو المعنى الحقيقي للنصيب ، فبحسب عملك يكن لك نصيب منه .. النصيب هو ما يضاف إليك بحسب ما تفعله .. تعالوا نتأمل ما أنزل الله عن النصيب وندع ما جاء لنا من الآباء والأجداد طالما يخالفه:
- "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" النساء 32
يبين الله أن لا فرق في النصيب بين الرجل والمرأة ، فكل رجل وكل امرأة يأتيهم النصيب بناءا على ما اكتسبوه وما عملوه في هذه الدنيا . أي أن النصيب له قانون واضح إلهي لا يتغير تستطيع إن فهمته ووعيته أن تجعل نصيبك في الدنيا يزداد ويزداد بكل الخير دائما . فقوانين الله لا يغيرها مخلوق مهما بلغ به العلم والقوة .
- "أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ" البقرة 202
حيث يبين الله أن كل البشر لهم نصيب "مما كسبوا" مما فعلوا ، أي نصيب مما يفعلون في حياتهم وبحسب الكيفية التي يتفاعلون معها مع الأحداث إن حسنا فنصيب حسن وإن سوءا فالنتيجة سوء .
وتأت المفاجأة عندما يشير الله بوضوح أن كلمة نصيب تأتي بمعنى إيجابي ولا تأتي بمعنى سلبي ، وأن عكسها كلمة كفل .. تأمل هذه الآية :
- "مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا" النساء 85
وهذا يعني أنك إن سعيت سعيا إيجابي في حياتك ، نتيجته الإيجابية تسمى نصيب فيكون لك في الدنيا نصيب منها ،، وإن سعيت سعيا سلبيا في حياتك نتيجته السلبية تسمى كفل ، فيكون لك كفل منها ، وهذا يطمئن الجميع أن كلمة نصيب يشير إله الكون بوضوح أنها تعني النصيب الإيجابي فقط وليس السلبي . لكن الموروث في الغالب يستخدم كلمة نصيبك سيصيبك بمعنى الشيء السلبي !! أرأيتم كيف تم عكس المفاهيم ومعظم الناس ينجرفون وراء هذا الفهم المعكوس بصورة غريبة فقط لأنه من موروث الآباء والأجداد !! فانظروا من تعبدون !
ولو تأملت كل آيات القرآن ستفاجأ أن الله سبحانه وتعالى يذكر كلمة "نصيب" إذا كان الحديث عن شيء إيجابي لك نصيب منه في الدنيا ، ويذكر كلمة "مصيبة" إذا كان الحدث سلبيا في الدنيا . تأمل مثلا هذه الآيات التي تتحدث عن الجانب السلبي :
- الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ
- وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ
بل حتى عند ذكر المصيبة يبين الله أنها بسبب ما كسبته يداك أيضا ، فالنصيب بحسب ما اكتسبته من خير والمصيبة بحسب ما كسبته من شر .. كل هذا بقانون غاية في الدقة لا يتبدل ولا يتغير ويسرى على كل البشر بلا استثناء بل يسرى على كل مخلوقات الله في الكون كله .
تأمل هذه الآية :
- "وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" القصص 77
تأمل كيف يتم الحث على أن لا تنس نصيبك من الدنيا ، هذه الآية في حد ذاتها تبين لك أن النصيب لن يأتك لو نسيته ولكن لو انتبهت له وسعيت له سوف يأتك ، أي أنه معتمد أولا وأخيرا بحسب سنة الله في الكون على ما فعلت وما اكتسبت ، فلا تركن وتخدع بكلام الآباء بأنه سيصيبك حتى لو لم تفعل شيئا !!!
كل رزق الله في هذا الكون نصيب ، المال نصيب ، الصحة نصيب ، وفرة الوقت نصيب ، الزوجة ، الأولاد ، السعادة ، الراحة ، الاستمتاع ، كل شيء نصيب ، إن سعيت وفعلت ما يجعلك تستحقه سيكون من نصيبك ، وإن انتظرت فلن يأتك وسيكون لك كفل من كسلك وانتظارك .. والله يحكم بالحق .. وأنت السبب .. اختر.
 

 





آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة