عرفات الله يوم الحج الأكبر

السوسنة  -  مع شروق شمس يوم التاسع من ذي الحجة يخرج الحاج من منى متوجها الى عرفة للوقوف بها، وقد وردت بعض الاحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل هذا اليوم منها ما رواه أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا الى عبادي جاءوني شعثا غبرا» وما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ اشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم». 

 

حول فضل هذا اليوم نتعرف على آراء الدعاة.
عن سبب تسمية عرفة بهذا الاسم يقول د.خالد المذكور:
 
يوم عرفة هو يوم التاسع من شهر ذي الحجة وهو أهم أركان الحج، وتعددت الروايات في تسميته بعرفة، والأكثر تأكيدا روايتان الأولى أن أبا البشر آدم التقى مع حواء وتعارفا بعد خروجهما من الجنة في هذا المكان ولهذا سمي بعرفة، والثانية أن جبريل طاف بالنبي ابراهيم عليه السلام فكان يريه مشاهد ومناسك الحج فيقول له: أعرفت أعرفت؟ فيقول ابراهيم: «عرفت عرفت» ولهذا سميت عرفة.
 
ووقت الوقوف بعرفة عند زوال شمس التاسع من ذي الحجة الى فجر يوم النحر وهو أول أيام عيد الأضحى. 
 
وقد أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الحج عرفة، فيوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة كما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له يا أمير المؤمنين: آية في كتابكم تقرأونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال أي آية، قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)، وكان ذلك اليوم هو يوم عرفة.
 
وعن صيام يوم عرفة فقد ثبت أن رسول الله أفطر يوم عرفة وانه قال: ان يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عندنا أهل الاسلام هي أيام أكل وشرب وثبت أنه نهى عن صوم يوم عرفات وذلك ليتقوى الحاج على الدعاء والذكر.
ولغير الحاج يصوم المسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وصيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» والحديث يدل على أن صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين.
 
ويستحب في هذه الأيام الإكثار من الأعمال الصالحة والصدقة والذكر، خاصة في أيام عشر ذي الحجة، وفي يوم عرفة على الخصوص.
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب الى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
الدعاء فيه
وحول فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج، يقول د.بسام الشطي: يستحب صيام يوم عرفة لغير المحرم بالحج وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام يوم عرفة، لذا لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان محرما بحجة الوداع وأفطر بعرفة.
وقد ورد في فضل الدعاء يوم عرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
 
ففي هذا اليوم تكرم الله على هذه الأمة بإكمال الدين وإتمام النعمة، وهذا ينبهنا لواجبنا الذي يقتضي العمل الدائم والسعي الحثيث على التكافل والتضامن والتعاون بين أبناء هذه الأمة والعمل على ازدهارها وتقدمها وتحقيق عزتها حتى تكون بحق أمة يباهي بها، فهي خير أمة أخرجت للناس. 
 
ولفت الى أن يوم عرفة يدعو فيه الشيطان على نفسه بالويل والثبور حين يبصر رحمة الله على عباده الذين جاءوا من كل حدب وصوب ليعلنوا للناس أنهم أمة واحدة ودين واحد موحدين إلها واحدا.
ونبه د.الشطي الى فضل الدعاء مع رجاء الاجابة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي «لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، والإكثار من دعاء العتق من النار، حيث كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول «اللهم اعتق رقبتي من النار» وقال النووي: «أفضل أيام السنة للدعاء هو يوم عرفة»، والراجح أن الدعاء يوم عرفة عام وليس خاصا بمن كان في عرفة انه قد جمع بين فضل المكان وفضل الزمان.
حال السلف في الحج
 
فاروق الأمة يبكي
في يوم عرفة في أعظم وأجل وأنقى وأتقى موقف تشهده عرفات، موقف بديع وموكب نوراني يتقدمه محمد صلى الله عليه وسلم، عرفات ترتج بدعاء الصحابة الميامين، الأودية تدوي بنغمات الموحدين، وآهات المتأوهين، الرسول صلى الله عليه وسلم يناجي ربه وينطرح بين يديه، يصعد الجبل فيخطب في 120 ألفا من الصحابة، الجميع آذان مصغية لكلماته ونبراته التي كانت ـ بقدرة الله تعالى ـ تصل الى كل قلب قبل الآذان، رغم ضخامة العدد وجلال الموقف، ولم تكن هنالك مكبرات للصوت، ولكن نسمات الريح كانت بإذن ربها تتبختر فرحا، وهي تطير بعذوبة الكلمات النبوية، فتلامس بها جميع الأسماع، وتطرق بها القلوب المتعطشة.
 
في زحمة هذا الموقف الخالد، تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية من أعظم الآيات ودرة من أغلى الدرر، ومنة من أعظم المنن، ولكنها في الوقت نفسه تحمل في طياتها نعيه صلى الله عليه وسلم، الذي فهمه أهل الفهم والإلهام، ينزل عليه قول الله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة: 3، هنا ينتفض فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتأخذه الرعشة، وتخنقه العبرة، فتسيل دموعه مدرارا!
 
لماذا يبكي عمر؟ إنها آية رائعة، ومنة من الله عظيمة، وكلام يثلج الصدور!! حقا إنه موقف غريب! تعجب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهمس في أذن صاحبه وفاروقه: «ما يبكيك يا عمر؟» يكفكف عمر دموعه، ويمسح عبراته، ويجيب ـ ولصدره أزيز ونشيج ـ: يا رسول الله، أبكاني أنّا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا أكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص.
 
حسب القوافي وحسبي حين أبديها
أني الى ساحة الفاروق أهديها
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها
بنعمة الله حصنا من أعاديها
 
يا لها من عبقرية! يا له من فقه نوراني! يا له من ذكاء خارق! يا لها من نفس مؤمنة تكاد تستشف الحقائق من وراء الحجب! يتعجب صلى الله عليه وسلم من فقه عمر وفهمه الصائب، فيجيبه في إعجاب وإكبار واعتراف: «صدقت». 
 
نعم والله يا أمير المؤمنين صدقت، ولقد حدث ذلك النقص الذي لا يعوض أبدا، فقد مات صلى الله عليه وسلم بعد هذا اليوم الذي تنزلت فيه هذه الآيات بإحدى وثمانين ليلة، كما قال ابن جرير رحمه الله.
 
حكيم بن حزام
 
كان حكيم بن حزام رضي الله عنه يقف بعرفة ومعه 100 بدنة مقلدة و100 رقبة فيعتق رقيقه، فيضج الناس بالبكاء والدعاء، يقولون: ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده، ونحن عبيدك فأعتقنا! وجرى للناس مرة مع الرشيد نحو هذا.
 
مطرف وبكر
 
وقف مطرف بن عبدالله بن الشخير وبكر المزني بعرفة، فقال احدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي! وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم.
 
يا لتواضع الصالحين! ويا لأدبهم مع ربهم وخوفهم مع حسن سيرتهم.
 
الفضيل
 
وقف الفضيل بعرفة والناس يدعون، وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة، قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس ان تغرب رفع رأسه الى السماء وقال: واسوءتاه منك وإن عفوت.
 
الفضيل الحيي يقول هذا، وهو طبيب القلوب الذي كان ابن عيينة شيخ الحجاز يقبّل يده! وانظر الى تواضع الفضيل لتعرف لم رفع الله ذكره بين الصالحين. 
 
وروي عن الفضيل انه نظر الى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة، فقال: أرأيتم لو ان هؤلاء صاروا الى رجل فسألوه دانقا ـ يعني سدس درهم ـ أكان يردهم؟ قالوا: لا. 
 
قال: والله، للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.
 
قال الفضيل لشعيب بن حرب بالموسم: إن كنت تظن انه شهد الموقف احد شر مني ومنك، فبئس ما ظننت!
 
ابن المبارك
 
قال ابن المبارك: جئت الى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن ان الله لا يغفر له.
 
وإني لأدعو الله أطلب عفوه
وأعلم أن الله يعفو ويغفر
لئن أعظم الناس الذنوب فإنها
وإن عظمت في رحمة الله تصغر
 
عمر بن عبدالعزيز
 
ويروى ان عمر بن عبدالعزيز حج بالناس، فلما نظر اليهم بعرفة، قال: «اللهم زد في إحسان محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، وراجع بمسيئهم إلى التوبة برحمتك، اللهم أهلك من كان في هلاكه صلاح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأصلح من كان صلاحا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحطهم من ورائهم بالرحمة.
 
قول أعرابي
 
وقال صاحب المغني: وروينا عن سفيان الثوري انه قال: سمعت أعرابيا، وهو مستلق بعرفة يقول: إلهي من أولى بالزلل والتقصير مني، وقد خلقتني ضعيفا، ومن أولى بالعفو عني منك، وعلمك فيّ سابق، وقضاؤك بي محيط، أطعتك بإذنك والمنة لك، وعصيتك بعلمك، والحجة لك، فأسألك بوجوب حجتك علي، وانقطاع حجتي، وفقري إليك، وغناك عني، إلا ما غفرت لي».
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة