كيف نستفيد من هذه اﻷيام المعلومات؟ - عبد اللطيف مهيوب العسلي

ما من شك أن هذه أيام الله أيام المشاعر ، وفي هذه الأيام يلبي نداء ربهم جمع غفير (ما يقرب أربعة مليون ) مسلم ، يرجون من ربهم التفضل والتكرم والرضا وغفران الذنوب ، ويجددون التوحيد الخالص لله الإله المنعم المنانُ ، ومن منا ﻻ تهزه الأشوق إلى تلك الأماكن الطاهرة  بمحلها الأسنى ، ومقامها المقدس اﻷعلى ، وكذلك أرواح العاشقين إن حبسها حابس العذر عبرت عنه بالحس والمعنى ولعلى أبرز ما يمكن أن يستشهد به هذه القصيدة لقبطان العاشقين / عبد الرحيم البرعي الموسومة  ب( يا راحلين إلى منى ) ..:

 
يا راحـلـيـن إلــــى مــنــى بـقـيــاد : هيجـتـمـوا يـــوم الـرحـيـل فؤادي.
 
سـرتـم وســار دليـلـكـم يا وحـشـتـي : الـشـوق أقلقـنـي وصــوت الـحـادي .
أحرمتـمـوا جفـنـي المـنـام ببـعـدكـم :
 يا سـاكـنـيـن المـنـحـنـى والـــــوادي .
فـــإذا وصـلـتـم سـالـمـيـن فـبـلـغـوا: منـي الـسـلام إلــى النـبـي الـهـادي.
 
ويلـوح لـي مـا بيـن زمـزم والصفـا: عنـد المقـام سمعـت صـوت مـنـادي .
ويـقـول لــي يانائـمـا  جـــدّ الـســرى:
عـرفـات تجـلـي كــل قـلـب صـــادي .
مـن نـال مـن عرفـات نظـرة ساعـة: نـــال الـســرور ونـــال كـــل مـــراد .
 
تالله مـا أحلـى المبـيـت عـلـى مـنـى:
 فـــي لـيــل عـيــد أبــــرك الأعــيــاد .
 
ضحـوا ضحايـاهـم وســال دمـاؤهـا: وأنــا المتـيّـم قـــد نـحــرت فـــؤآدي.
لبسوا الثياب البيض شارات الرضا:  
وأنــا مــن أجلـهـم لبـسـت ســوادي.
 
يـــارب أنـــت وصلـتـهـم وقطعـتـنـي:
فبـحـقـهـم يـــــارب حـــــل قــيـــادي
 
بالله يـــــــازوار قـــبــــر مــحـــمـــد: مــن كــان منـكـم رائـحـا أو غــادي
يبـلـغ إلــى المـخـتـار ألـــف تـحـيـة: مــــن عــاشــق مـتـفـتـت الأكــبـــاد
قـولــوا لـــه عـبــد الـرحـيـم مـتـيّــم:ومــــفــــارق الأحــــبــــاب والأولاد.
صـلـى عـلـيـك الله يـاعـلـم الـهــدى: مــا ســار ركـــب أو تـرنــم حـــادي.
وفي هذه الشعيرة تتجلى عظمة  المعبود جلى في علاه وتؤدى فريضة من أعظم الفرائض والقربات ، يشعر بذلك كل من أداها على وجه صحيح مبرور . 
**كيف يمكن الإستفادة من الحج من إجل تحقيق السلام. ؟
 
 ونظر لحاجة العالم الإسلامي - على وجه الخصوص - ﻹحلا السلام بدلا  من الحرب ،  وحاجة العالم - على وجه العموم - ، فإن   من أهم المهمات أن تتجه اﻷنظار صوب الحج لتحقيق هذه الغاية التي هي من أهم غاياته، ومن  لديه شك فما عليه إﻻ أن يتعرف على كيفيةحج رسول الله  وخطبته في صعيد عرفة  . وإعلان  الحقوق الانسانية؛   وأن  تكون هذه الأيام أيام سلام ومحبة ، وحل للخلافات. ووقف الحروب وأن  تركز خطبة عرفة على ما يحقق السلام ، بل وينبغي التفكير جديا بآلية يتبناها زعماء العالم الاسلامي ، وتم من خلا لها إطلاق مبادرات فعلية  لحل النزاعات المسلحة ولإحقاق السلام بين الدول المسلمة . 
 
* إذا الحج أحد أركان الإسلام ومن أعظم الطاعات لرب العلمين وهو شعار أنبياء الله ,وسائر عباد الله الصالحين - صلوات الله عليهم أجمعين - وهي من أعظم العبادات التي تتجلى فيها تعظيم المشاعر , وتعظيم حرمات الله تعالى قال سبحانه وتعالى : ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿22/30 الحج)وفي نفس السورة  قال سبحانه :  ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿22/32﴾  
 
والكثير من عباد الله ممن لا قدرة لهم إلى الوصول إلى تلك المشاعر المقدسة يطوفون بخيالهم وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يقدروا ما يحملون عليه , ورب بعيد بهيكله وقريب بروحه , مشاركا لهم بالاجر ، بما توفر فيه من محبته وحين مقصده ولولا وجود. المانع لكان من زمرة وفده بروحه وجسده ؛ ومثل من هذا حاله هو من بشره ربه 
 بقوله تعالى رفع به الحرج عن أهل الأعذار : (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل ,والله غفور رحيم , وعلى الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ) .
 
وبشره صلى الله عليه وسلم بقوله :(لقد خلفتم في المدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سلكتم طريقا إلا أشركوكم في الأجر حبسهم المرض ) وفي المقابل توعد الله من يستخف بحرمات الله وبشعائره , وقربان حدوده وتناولها بما لا يحل فقال تعالى عن البيت الحرام :  ( ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم ) وقال سبحانه وتعالى :
 ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدى حدود الله فألئك هم الظالمون ) .
 
* فعقل عن ربهم وعظم شعائره وحرماته المصطفون وأدركه العارفون ممن سبقت لهم من الله الحسنى ،  وكان على رأس القوم إمام المرسلين وسيد الخلق أجمعين أكثر المتقين لشعائر الله تعالى تفخيما وتوقيرا , وأعظمهم لحرمات الله تعالى مراعاة وصيانة , وأبعدهم عن انتهاك حدوده وتجاوز حماه . 
 
وفي الحج تجلى تعظيمه صلى الله عليه وسلم لشعائر الحج  وحفظه لحرماته من خلال صور شتى كان من أبرزها المبالغة بالغسل عند كل عبادة وعند كل نسك وواجب حتى عدت سنن الغسل في الحج إلى 17 غسلة ففي الاحرام غسل و لدخول مكة غسل ولطواف القدوم غسل ولمزدلفة غسل ولعرفة غسل ولرمي الجمار غسل ، ولعلنا اليوم ندرك أكثر من أي وقت مضى مدى أهمية النظافة ومدى فائدتها وثمرة  الإلتزام بها إذ هي من أعظم الوقاية من الأمراض الفاتكة  الفاتكة كالكريرى وغيرها وخاصة في التجمعات الكبيرة ..........الخ. 
 
ولعله من المهم جدا أﻻ يغيب عنا كيف كان أداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الشعيرة .؟
،
 وكيف تفاعل معها المسلمون أوﻻ في عهده صلى الله عليه وسلم ؟
 
،ثم بعد ذلك ننزلها على أنفسنا لنتعرف عن قرب مدى التزامنا بها .   
 
* لقد تدافع الناس حين بلغهم عزم رسول الله إلى الحج كل يريد السير في رعايته وتحتي لوائه فحج معه صلى الله عليه وسلم جمع غفير من المسلمين ، هم أفضل ما في الكون في زمانهم ـ ولا أحسب أيضا إلا أن يكون  وفد الحجيج في كل عام هو أفضل اجتماع على وجه البسيطة ـ
 
,ولقد اثر رسول الله فيهم أكبر تأثير إذ تمثلوا  تلك المعاني والمبادئ وطبقوها حسا ومعنى جماعية قوة وفع ، بعد أن كانت قد استقرت في نفوسهم فوجههم أحسن توجيه وقادهم ـ بابي هو وأمي ـ أحسن قيادة عرفتها البشرية ولأن خُلق رسول الله القرآن ، وهو صلوات الله عليه أعرف الخلق به ، وأعظمه تمسكا وتطبيقا لكتابه، 
 
  وكيف ﻻ يكون كذلك .! ؟
 
 وقد أنزله الله عليه تنزيلا ، ورتله الله في قلبه ترتيلا ، وفصله على لسانه تفصيلا . فما كان يأمر آمته بأمر إلا وكان اسبقهم إليه ، ولا ينهاهم بنهي إلا وكان أبعدهم عنه ، 
وفي الحج تجلى لديه صلى الله عليه وسلم ذلك الخلق السامي في مواقف عدة وصور مختلفة من أبرزها ما جاء في خطبة الوداع  - والتي سأحول أتحدث عنها في موضوع منفرد   إن شاء الله - ، ومنها انه صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي كان يحث أصحابه رضي الله عنهم على البر والاشتغال بالطاعة والخضوع لله , والانكسار بين يديه . كان صلى الله عليه وسلم أكثرهم تضرعا وتقربا وخشية , وأعظمهم ولاء لله وتضرعا اليه وانكسارا بين يديه , ومن مظاهر تلك القدوة التي تجلت في سلوكه صلى الله عليه وسلم زهده في الدنيا , والتعلق بالآخرة .فحج على رحل رث وقطيفة متواضعة,ومنها انه كان يؤدي مناسكه بمنتهى النظام والطمأنينة والهدوء ، والنظافة ,وهو ما يفتقده كثير من الحجاج وبالأخص مع كثرة الأعداد الوافدة للحج , فهو صلى الله عليه وسلم عنوان استقامة القيادة وإخلاصها , ودليل إيمانها فيما يأمر به .فما أحرى بان يتأسى الدعاة والمصلحون خصوصا والمؤمنون عموما بخلقه العظيم صلوات الله عليه, ويجعلون للناس قدوة حسنة  في كافة الأعمال , وبخاصة   في موسم الحج  بحيث يكونون أسبق الناس إلى فعل الخير , بعد أن يكونوا قد تزودوا بهذه المحطة الإيمانية الهامة , فيعودون الى بلدانهم قدوة حسنة لغيرهم .
 
*** ما جاء بفضل هذه اﻷيام
 إن لهذه الأيام القادمة عشر ذي الحجة وأيام التشريق أهميتها التي لا تجهل ، ففضلها مشهور وعملها مشكور ، وثوابها مذكور ولا بد أن نذكر ما اختصها الله من الفضل العظيم في كتابه الكريم ,وما أشار إليه صلى الله عليه وسلم تنويها لمزيد فضلها .
 
فضل أيام العشر من ذي الحجة 
 
عشر ذي الحجة فضلها عظيم فهي أيام المشاعر وأيام حج وعبادة وذكر وقد سماها الله الأيام المعلومات ، واغلب أهل التفسير أن الأيام المعلومات أيام العشر من ذي الحجة , ويليها الايام المعدودات وهي ايام التشريق قال سبحانه وتعالى في سورة الحج:
 
 وَاذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿22/27﴾ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿22/28﴾ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿22/29﴾ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿22/30
 
حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴿22/31﴾ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿22/32﴾ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿22/33﴾ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿22/34﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿22/35﴾ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿22/36﴾ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴿22/37﴾ 
 
ومن الأحاديث التي تبين فضل أيام العشر وأيام التشريق ,عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله الا رجل خرج بماله و نفسه فلم يرجع من ذلك بشيء وجاء في فضل صوم يوم عرفة انه يعدل صوم سنتين , يعني يعدل صوم سنتين ليس فيهما يوم عرفة ,فيستحب بهذه الأيام الاستكثار من ذكر الله عن سائر أعمال البر من دعاء وذكر ، وتحميد وتهليل واستغفار وصوم , ففي رواية إن المحروم من حرم خير أيام العشر عليكم بصيام التاسع منه خاصة ففيه من الخير الكثير مشاركة للواقفين بعرفة .
 
اللهم أهل علينا هذا الشهر الحرام بالأمن والإيمان والمسرات والغفران   واجعل حظنا من لطائفك جما غفيرا كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا ,واكتب لنا فيه ما تكتب به لعبادك الصالحين اللهم ووفق حجاج بيتك لأداء مناسكهم بيسر وعافية وتقبل منهم صالح أعمالهم . وأشركنا بالآجر والثواب فقد منعنا  العذر إلى بلوغ مبلغهم اللهم ارفع عن أهل اليمن الحرب والفتن والمحن وسائر الشرور ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا وعن سائر بلدان المسلمين      . واصلح ذات بيننا والف بين قلوبنا 
 
وهيء لنا امر رشد ونجنا من القوم الظالمين.




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة