السياحة الحلال في أوروبا .. ما الذي يجدد اهتمام الغرب بهذا المجال؟

 السوسنة  - منذ سنوات وقطاعات كبيرة في أوروبا، سواء المؤسسات المعنية باتخاذ القرار أو الأحزاب والحركات الاجتماعية من مختلف المشارب السياسية والفكرية، تعمل على تأييد توليد "هجنة أيديولوجية" تستهدف تذويب الثقافة الإسلامية وإبعادها تمامًا عن الاختلاط بالثقافة الغربية، وخاصة بعد سلسلة الأحداث الإرهابية التي وقعت على مدار السنوات الماضية في بلدانهم، وأحدثت حالة من التباعد بل والمعاداة للدين الإسلامي وأتباعه.

ووصل هوس المقاطعة الثقافية إلى منع المسلمات من ارتداء الحجاب على الشواطئ الفرنسية والهولندية والعديد من البلدان الأوروبية، ولكن وسط هذا المناخ المشبع بالكراهية كان هناك من ينظر للصورة من زوايا أخرى، ويرى ضرورة قصوى في جذب ما يسمى بـ"السياحة الحلال" إلى القارة العجوز.
 
لماذا عادت القضية إلى الواجهة من جديد؟
تصاعد الاهتمام بالموضوع، جذب أنظار القائمين على موقع "دويتش فيله" الناطق بالعربية، للاهتمام بالقضية خلال الأسبوع الحالي، ورصد الموقع في تقرير مصور له، آخر الاستعدادات التي أولاها أحد فنادق فرنسا ـ عاصمة الراديكالية ضد الإسلام حاليًا ـ لاستقبال السياح المسلمين، وهو منطق الإثارة في الموضوع، خاصة أن الفندق أقيم بأكمله لخدمة المسلمين، سواء للأوروبيين من أصول عربية وإسلامية، أو المقيمين بأوروبا والذين يواجهون أزمة كبري كل عام، في إيجاد أماكن يقضون بها عطلتهم الصيفية، بما لا يتعارض مع خصوصيتهم الدينية.
 
السياحة الحلال تقتحم القارة الأوروبية
رصد تقرير "دويتش فيله" كل مظاهر الحياة الإسلامية التي استعد لها الفندق بعناية، بداية من تجهيز الغرف بسجاجيد الصلاة الموجهة بعناية حسب اتجاه القبلة، مرورًا بتذويدها بالمصاحف، نهاية بتقديم الطعام حسب الشريعة الإسلامية.
 
تقول إيمان عزوزي صاحبة الفندق الإسلامي، إن فكرة التعامل لجذب السياحة الحلال، جاءت إليهم من خضم الغضب الذي صاحب منع النقاب في فرنسا عام 2006، وكان ذلك دافعًا لها لاتخاذ قرار بإنشاء الفندق الذي ذاع صيته، وأصبح خلال السنوات الماضية، قبلة للسياح المسلمين من العالم أجمع.
 
حالة الرضا التي يرصدها التقرير، الذي لم يتحدث عن أي مضايقات سواء كانت عنصرية من جانب الحركات والجماعات المنادية بطرد المسلمين من أوروبا، أو علي المستوى الرسمي من جانب السلطات كلما جد حادثًا يشنه المتطرفون الإسلاميون ويستهدفون من خلاله زعزعة استقرار الدول، يعزز إلى حد كبير مصداقية التقارير التي تشير إلى تنامي الهوس الأوروبي بالمنتجات الحلال والتي تنوعت خلال السنوات الماضية وزاد انتشارها إلى أكثر من 4000 منتج في الأسواق الغربية، بحسب تقرير رسمي، صادر عن هيئة الرقابة والترخيص للمنتجات الحلال في أوروبا قبل عامين من الآن، وتحديدا في 1 من ديسمبر عام 2015.
 
وأكد التقرير الذي نقله بعد تولي ترجمته "مرصد الأزهر" أن المنتجات المتوافرة بكثافة تشترك في جلبها نحو 400 شركة في ألمانيا وحدها، بينما يقدر حجم تجارة الأطعمة الحلال في فرنسا، ما يقارب 5 مليارات يورو سنويًا، بما في ذلك مطاعم الوجبات السريعة وليس فقط محلات الشاورما التي يمتلكها عرب ومسلمون، وإنما أيضًا المطاعم التي تقدم "البرغر".
 
وفي إسبانيا التي يزيد عدد المسلمين فيها على مليوني نسمة، حققت صناعة المنتجات الحلال طفرة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن العاصمة الإسبانية مدريد حرصت على استضافة أول معرض للأطعمة الحلال قبل عامين، تحت عنوان "إكسبو حلال"، وشمل عروضًا للمطاعم وأماكن إقامة العملاء المسلمين، كما قدمت الشركات المنتجة للحوم الأغنام والأبقار والماعز الحاصلة على ترخيص حلال، عروضها للمسلمين وغير المسلمين الموجودين طيلة فترة المعرض.
 
سر اهتمام الغرب بـ"السياحة الحلال"
تكشف أرقام أرباح التعامل بالأطعمة الحلال، سر اهتمام إسبانيا تحديدًا بالقضية، بعدما رصدت مؤسسات معنية على رأسها منظمة "تور إسبانيا" أن نفقات السائح المسلم توازي ضعف ما ينفقه السائح العادي، وجاء في الصدارة السائح السعودي الذي تبين أنه ينفق متوسط 2287 يورو خلال مدة إقامته، بينما ينفق الإماراتي نحو 2116 يورو، والمفاجأة في احتلال السائح المصري المرتبة الثالثة برصيد 1703 يورو، وذلك في مقابل ما يقدر بنحو 956 يورو كمتوسط إنفاق لأي سائح آخر، وتبدو الأرقام واضحة وتبرز لماذا يحرص القائمون على السياحة في إسبانيا، على توفير متطلبات هذا القطاع لما يدره من أرباح طائلة.
ومصطلح السياحة الحلال تم تداوله بشدة خلال السنوات العشرة الأخيرة في أوروبا، عندما بات هناك يقينًا واضحًا من حاجة السائح المسلم إلى خدمة تحترم أسس وأخلاق الدين الإسلامي، ولهذا جاء مؤتمر قرطبة للسياحة الحلال ليشكل جزءًا من هذا الحراك الواسع، ووضع أسس متفق عليها عن هذا المفهوم الحديث نسبيًا.
 
ويقصد بالسياحة الحلال منع الفنادق والمنتجعات السياحية من تقديم أي برامج أو وجبات ومأكولات أو أنشطة مخالفة للشريعة الإسلامية، وفي صدارة الممنوعات بالطبع الخمور وصالات لعب القمار وحمامات السباحة المختلطة وأندية الديسكو.
 
الغنائم الأوروبية من السياحة الحلال لم تقف عند غرب القارة في فرنسا، بل امتدت إلى جنوبها الشرقي، حيث استضافت أوكرانيا العام الماضي أول مؤتمر عالمي بشأن السياحة الحلال، في محاولة منها لاستقطاب المزيد من السياح المسلمين من ناحية، ومنافسة الدول العربية بقوة في هذا النوع من السياحة التي تحتل دبي المرتبة الأولى عالميًا فيها من ناحية أخرى، لا سيما أن كرواتيا تحتل مراكز متقدمة في العالم أجمع من حيث الإقبال السياحي، في ظل مؤهلاتها التي تسلحها بكل مقومات وعناصر الجذب السياحية.
 
أهمية مؤتمر كرواتيا، أجبرت قادة المؤسسات الرائدة في صناعة الطعام والخدمات الحلال والمتهمين بهذا المجال من أوروبا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وموريشيوس وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، على الحضور وتعزيز تبادل الخبرات خاصة أن كرواتيا وجهة سياحية جديدة للسياح الباحثين عن المعايير الحلال، والمستقبل أمامها يبدو مبهرًا في هذا الشأن.
 
أقسام السياحة الحلال في العالم
بيتر زومبوري مدير موقع My Premium Europe في سويسرا، والقائم على تلبية طلبات المسلمين فقط، قال في تصريح لأحد المواقع العربية، إن عدد المسافرين الذين يريدون هذا النوع من السياحة في تزايد، موضحًا أن هناك ثلاثة أقسام للخدمات الحلال، الأول يعرف بـ"Halal light" وهو موجود بالعديد من فنادق أوروبا وعليه إقبال شديد، ويشمل توفير المأكولات الحلال دون أن تشمل وجود خمر بثلاجة الغرفة، في نفس الوقت الذي يشترط وجود مصحف للقرآن الكريم.
 
أما القسم الثاني والمعروف بـ"Halal Normal" فيشمل أوقاتًا خاصة للنساء بحمامات السباحة والنوادي الصحية وغيرها، بينما يعتبر الثالث المعروف بـ"Halal Strong"، أكثرهم صعوبة، ولا يتوفر في أوروبا بسهولة، ولا يوجد إلا في الفنادق المعدة بالأساس لهذا النوع من السياح، فتكون أماكن الإقامة منفصلة للرجال والسيدات، وكذلك المرافق كحمامات السباحة وغيرها.
 
تبدو أوروبا في قضية السياحة الحلال ملكية أكثر من الملك ذاته، فهي تقدم خدمة سياحية بدرجة عالية من الإتقان والتفاني، لمواطنين من خلفية دينية لا ترتاح لها، وفي أجواء تحفل بالعنصرية والشحن الزائد ضد المسلمين والعرب، إلا أن البراجماتية ولغة المصالح التي يتقنها أبناء الحضارة الغربية تجعلهم في غنى مؤقت عن هواجسهم الأمنية والثقافية تجاه المسلمين.
 
المشكلة الواضحة لهم حتى الآن في هذه القضية تزايد عمليات الغش التجاري التي تم رصدها في بعض المنتجات التي تسوّق على أنها منتجات حلال، وصلت في بلجيكا إلى 60% من المنتجات، فضلاً عن تزوير بعض الأوساط المسؤولة عن الصحة الغذائية في أوروبا لشهادات "حلال" دون إجراء مراقبة فعالة على المنتجات، كما يتم شراء هذه الشهادة أحيانا من بلدان مثل فرنسا لتسويقها في أسواق بلد أوروبي آخر، وهو الأمر الذي تمت مواجهته بتأسيس لجنة أوروبية جديدة للمنتجات الحلال.
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة