السياسة الربانية - د.محمود العمر العمور.

 آدب الحوار، احترام الرأي والرأي الآخر، القبول بالآخر، القبول بوجود المعارضة، والتسامح، كل ذلك من خلال هذا الحوار الرباني مع الملائكة، إبليس، وآدم عليه السلام.
 
قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } (سورة البقرة 30). يخبر الله الملائكة بأنه يريد أن يجعل مخلوقا ليكون خليفة للجن في الأرض، الذين أفسدوا فيها، ولعلم الملائكة بما فعل الجن، وبأن أي مخلوق يعطى الخيار بين سلوك طريق الخير أو الشر، سيفضي ذلك إلى الإفساد وسفك الدماء، كان ردهم على رب العزة: { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } (سورة البقرة 30). هذا هو طرح الرأي والرأي الآخر.
 
فما كان من الله العظيم إلا أن قال لهم: { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } (سورة البقرة 30). وقدم لهم الدليل على ذلك، فما كان منهم إلا التصديق بالدليل والحجة: { قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (سورة البقرة 32). هذه هي آداب الحوار، واحترام الرأي والرأي الآخر.
 
وبعد أن أمر الله الملائكة وابليس بالسجود، سجدت الملائكة، قبولا بالآخر، ورفض ابليس الأمر، فلم يكن الرد الإلهي مباشرة العقوبة، ولكن كان الاستيضاح أولا وهو أعلم به: { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } (سورة الأَعراف 12). كان الرد: { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } (سورة الأَعراف 12). فكان الرد الإلهي: { قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } (سورة الأَعراف 13). هذا هو القبول بالآخر.
 
ثم إن ابليس طلب من الرب عز وجل: { قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (سورة الأَعراف 14). فاستجاب الله طلبه: { قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ } (سورة الأَعراف 15). إنه القبول بوجود المعارضة.
 
وأما آدم فقد عصى الله بأكله من الشجرة نسيانا وضعفا، { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا } (سورة طه 115).  فألهمه الله عز وجل كلمات ليتوب عليه، { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (سورة البقرة 37). هذا هو التسامح.
 
فكونوا ربانيين بحواراتكم، باحترامكم للرأي والرأي الآخر، بقبولكم بالآخرين، وقبولكم بالمعارضة، وبالتسامح.