التعرف على الإسلام .(2) - عبد اللطيف مهيوب العسلي

ولأن الغاية القصوى من الدين هي تحقيق سعادة هذا الإنسان الذي كرمه الله وحمله في البر والبحر ورزقه من الطيبات ، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا. فمن هذا المنطلق فإن مقياس الإسلام الحق ليس برفع الشعارات وﻻ بالتحدث باللغة العربية وامتلاك كلمة  ( مسلم ) في هويته الشخصية، والاهتمام بالشكل دون الجوهر ، وإنما بمدى ما يتحقق على أرض الواقع  يتمثل بالعناية والحفاظ على حياة الإنسان وصيانة كرامته ، وبكل ما يحقق له السعادة والتزام المبادئ التي حوتها الكتب السماوية في جميع الديانات الموجودة في العالم ، والتزام ما يعززها  في كل الأعراف والمواثيق والدساتير ، كاساس لضمان الحقوق الإنسانية الطبيعية ووجوب تقديمها على كل الاعتبارات العرقية، أو القومية،  أو الدينية .
 
، وهو المؤشر لنيل سعادة الإنسان في الآخرة . ومن إجل التعرف على العوائق والأسباب التي حالت دون تحقيق هذه الغاية التي أرادها الله للإنسان ، ينبغي اتباع طرق ووسائل  تبدأ بالنقد الذاتى .
* النقد الذاتي :
 
 فيجب علينا نحن المسلمين ، ان نمارس النقد الذاتي ونعيد النظر في فهمنا للإسلام وممارستنا لعقائده ومعاملاته،  وأخلاقه في ضوء ظروف عصرنا الحاضر والمعطيات التي أفرزها  ، فسنجد أن نتائج هذه المراجعة مفيدة لنا ولغيرنا ، وغير  متعارضة وﻻمتصادمة مع روح الإسلام ، و الحنفية السمحاء. بل متعارضة مع أقوال وموروثات أجتهد بها علماء لو عاشوا هذا الوقت لكانوا أول من وقف ضدها .
 
 * * رفض  المفاهيم والتصورات المغلوطة التي تتذرع بها الجماعات الإسلامية المتطرفة أمر ﻻ مفر منه .
 
 *** كما يجب اتاحة الفرصة  للشباب للتعرف على الإسلام  عن طريق الحوار وليس عن طريق الإكراه ، وحاجتنا كمسلمين للحوار فيما بيننا مقدم على الحوار فيما يننا وبين الآخرين .
 
فإذا لم نستفد نحن المسلمين من الإسلام ولم نحقق فيما بيننا السلامة والسلم فكيف لنا  أن نطالب غير المسلمين بالإسلام ، 
 
فأما أن يكون الإسلام هو السلم والسلام، وبالتالي فالمسلم يجب أن يكون هو أهل السلامة  و السلم ( السلم بتشديد السين المكسورة وسكون اللام) .
 
يعكس صورة الإسلام الحقيقية بأفعاله وأقواله . وبغير ذلك فإن الإسلام في شعب والمسلمون في واد وينطبق عليهم ما أنطبق على غيرهم من الأمم السابقة  كما في قوله تعالى:
 
((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا )) . الجمعة. 
 
وإما أن يكون الإسلام غير ذلك فلا فرق حينئذ بين الإسلام و الكفر، وﻻ بين السلام والحرب ، وﻻ بين العلم والخرافة ، ويصدق فينا ما صدق على غيرنا حين نقضوا المواثيق والعهود بينهم وبين الله فليس لدى المسلمين العصمة أن ﻻ يقعوا فيما وقع به غيرهم قال تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (93)
 
  صحيح أن الإسلام له مستويات يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات :
 
الأول:  السلم والسلامة. 
 
و الثاني :
 
التسليم بالحجج والإنقياد لها .
 
والثالث: 
 
الإيمان . 
 
لكن والصحيح أيضا أنه - وعلى أقل اعتبار -
 
ينبغي أن يتوفر أدنى مستوى من مستويات
 
الإسلام حتى يصدق أن يطلق اسم ( مسلم ) على فرد أو جماعة أو أمة  وهو السلامة و السلم .
 
وﻷن ذلك على الواقع لم يتحقق ، في وقتنا الحاضر باعتراف الجميع ، فإننا نحتاج الى إعادة بناء من جديد كيف نعيد بناء قواعد الإسلام ؟ 
 
كيف نحقق تحية الإسلام التي نكررها بين لحظة وأخرى؟  
 
ألسنا نقر أن الإسلام لم يعد في تصورنا كمسلمين ، وﻻ بتصور غير المسلمين يعني السلامة و السلم  .؟ 
................
 
** إذا ما عليه المسلمون شيء ، والإسلامشيء آخر. 
 
 الإسلام الذي أرتضاه الله لعباده وكما يوضحه لنا  القرآن يبدأ  بالسلامة والسلم والإبتعاد عن الطغيان 
 
والفحشاء والمنكر والبغي ، وينتهي بالإنابة  ، وحسن الاستجابة ،
 
 والتسليم الكلي لرب العالمين ، بنفس مؤمنة وطوية آمنة . (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65))) النساء
 
.. إذاً الإسلام ضد الحرب، وضد الخوف، وضد العذاب، وضد الطغيان ، وضد الظلم،  وضد الحسد، وضد الكراهية، وضد الكبر، وضد الفحشاء ، وضد الإثم، وضد كل ما يعكر أحوال الناس.
 
الإسلام هو دين الله الخالد منذ آدم وحتى آخر بشر من أولاده. ولذلك فإنه يجب التعرف عليه والتعريف به في كل وقت وحين. فمن يولد فلا يعرف عن الإسلام شيئاً حتى لو كان لأبوين مسلمين وفي بلد مسلم. ولذلك فإنه يجب تعريفه أو تمكينه من التعرف على الإسلام بنفسه، فلا يكفي إسلام أبويه.
 
فهل نحن نعرف أبناءنا بالإسلام أو نمكنهم من أن يتعرفوا على الإسلام الحقيقي.؟
 
الإسلام الحقيقي هو ما جاء في القرآن. فمن يخالف القرآن فلا إسلام له. فقط نعرفهم بالمذاهب والتي أصبحت، لسوء الحظ، أدياناً مستقلة يعادي بعضها البعض أكثر من عداء الآخرين لهم.فالإسلام عند الشيعة غير الإسلام عند السنة , والإسلام عند الوهابية غير الإسلام عند الاشاعرة وغير الإسلام عند المعتزلة والاباضية , والإسلام عند القاعدة غير الإسلام عند غيرهم .. الخ...
 
(وبما أن الإسلام دين يحتاجه كل إنسان، فإن التعرف عليه مستمر منذ ولادة الإنسان إلى أن يموت. فقبول الإسلام طوعاً ما هو إلا بداية الطريق. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال التخلي عن المذهبية البغيضة التي تحرض الناس على الكراهية وتمنع تعاون الناس على البر والتقوى. يحتاج الإنسان في بلادنا والبلدان العربية والإسلامية أن يتعرف على الإسلام كما هو في كتاب الله، ولا يرغم على أن يسلم إسلام مذهبه أو طائفته أو حزبه أو جماعته.
 
يقول الله في سورة البقرة: (تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112) 
 
 وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) 
 
وهكذا هو حال ما يطلق عليه السنة أو الشيعة. وعلى الرغم من أن كلاً من أتباعهما يقرون بالقرآن إلا أنهم لا يقرون بإسلام بعضهم بعضاً. بل إن كل مسجد أصبح يتبع فصيلاً أو مذهباً ولا يعبر عن كل المسلمين. فلا يحق لأي شخص من فصيل آخر أن يخطب في مسجد محسوب على فصيل آخر وفي حقيقة الأمر فلا يحق منع المسلمين من مساجد الله او تفجيرها لأنها محسوبة على فصيل أخر بأي شكل من الأشكال.
هذا ليس إسلاماً وإنما طغياناً.) 1
 
يقول سبحانه وتعالى :
 
(وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (141))
 
فالإسلام هو دين كل النبيين من قبل منذ آدم وإلى محمد صلى الله عليه وسلم , والى ان تقوم الساعة إذاً هو ليس دين سيدنا أبي بكر فحسب وﻻ دين سيدنا عمر فحسب ، وﻻ دين سيدنا علي فحسب  رضي الله عنهم أجمعين ما غيروا وﻻ بدلوا ، ما حكم أحدهم بصحة شيء ثبت فساده ، وﻻ حكم بفساد شيء ثبت صلاحه . بل كانوا حيث أراد الله ان يكونوا كما ثبت ذلك في محكم التنزيل 
 
((  وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) )) التوبة .
 
وللمزيد في هذا الموضوع. يمكن القارئ الكريم الاطلاع على ما كتبه الكاتب في هذا الموقع ( السوسنة اسلام ) تحت عنوان ( الدعوة الى السلام ) وكذلك موضوع ( من اجل الحفاظ على السلام شرع الله العقوبة)
...
جعلنا الله وإياكم ممن أستمسك بالعروة الوثقى فعاش في الدنيا مؤمنا، ومات صالحا ، وبعث آمنا ، ودخل دار السلام سالما إنه مولى ذلك والقادر عليه.
 
................................................
هامش:
1 ..تأملات رمضانية د.سيف العسلي .
.