محصنات من السقوط في الطريق / الأستاذ حشاني زغيدي

 حين نقرأ بعض صفحات التاريخ الدعوة المشرقة في العهد الأول من الدعوة الإسلامية .يبهرك روعة البناء و روعة الباني نكاد نجزم أن ذلك الجيل الأول حمل كل الصفات . تصدق فيهم الصفات العشر للرجال الذين  حملوا تكاليف الرسالة الهادية في كمالها و جمالها . استخلصها الإمام البنا رحمه الله  من القراءة الفاحصة لمسار التربية في الصدر  الأول في الإسلام .

فهم و إخلاص : 
 
فهم شامل لمقتضيات الفكرة محصن بالإخلاص لله في القصد و العمل فكل عمل ينجز و كل مشروع يقام و كل قضية ينتصر لها و كل فكرة يرعاها ،لها  في الشرع أصل .فالمسلم  يحصن كل مناحي حياته بلزوم الشرع مستحضرا النية أن ما نقوم به فهو حسبة لله نريد به وجه الله تعالى وحده .﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
 
عمل و جهاد : 
لا تقوم الحياة إلا بالعمل  فالإسلام حارب البطالة و حض على العمل  . عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :  ” لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي الجبل فيجيء بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بثمنها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه” رواه البخاري . بل يرتقي هذا الجهد المبذول ليكون جهاد في سبيل الله جهاد تنوير و جهاد تعمير و جهاد دفع ، لا يخرج عن الشمول الذي دعا إليه الإسلام .
 
تضحية و طاعة :
و إن التضحية هي بذل أقصى الوسع في العمل و الجهاد،  و لا يستقيم العمل في المشاريع  أو في إدارة الأعمال ما لم يكن لتلك المشاريع ضوابط حازمة تمنع الانزلاق و الخروج عن ضوابط العمل،  و الأمر  تقره كل تنظيمات العمل فلهذا كانت الطاعة أمرا مستلزما ،  بل موجبا لنجاح المشاريع في المؤسسات أو في إدارة  الحياة الخاصة للفرد ، و تلك الطاعة إنما تكون في المعروف و في حدود الوسع و الطاقة .
 
ثبات و تجرد  :
إن  كثرة الأعمال و التكاليف و المهمات قد  يترب عنها شيء من الضعف والوهن ،  لهذا كان لزاما أن يستشعر الفرد عظمة المهام بطلب العون و النصرة من الله ، أن يوفقه ليكمل مشواره الطويل و أن يجبر ضعفه ، فالمرء لا يستغني عن مدد السماء فهي وحدها المثبتة، فيحرص المسلم ليراقب نفسه و أعماله قي  السر و العلن أن يعلم أن  الله محيط  بكل تصرفاتنا  في السكون و الحركة في اليقظة و المنام في الإقبال و الإدبار في الضعف و القوة  فهما  العاصمة و دونها عناصر تقوية.
 
أخوة و ثقة :
 لهذا كان شان الأخوة كبير في صدر الإسلام الأول و قد أولاها الرسول محمد  صلى الله عليه و سلم الأهمية الكبرى فكانت المؤاخاة بين الصحابةيقول تعالى ذكره : قال الله لموسى عليه السلام " قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ "و حتى تنجح الفكرة و تسود المبادئ  فلابد  لها من عنصر وثيق و مهم فكانت الثقة ركنا حصينا و تكون الثقة  في الله و نصره ، و ثقة  في المنهاج و صلاحيته ، و ثقة في القائد و كفاءته ،  ثم ثقة في أخوته  التي هي شقيقة الإيمان . فبهذه الصفات العشر المحصنة يعلو البنيان و يقوى الصرح و تنصر المبادئ فتحصل السيادة و الريادة .