أثر العقيدة في حياة المسلم - حشاني زغيدي

لقد أولى الإسلام عناية كبيرة لغرس العقيدة السليمة في قلب  الفرد المسلم ،  عقيدة تصوغ الحياة برباط  اسمه الإيمان ، خلصته تلك الآية الكريمةفي وضوح ما بعده وضوح ،هذه الآية:الكريمة  ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنعام الآية: 162]فنكون حياتنا  كلها لله تعالى  ، و تأمل معي، ماذا تحمله  الحياة  من مسالك،  و دروب  و نزوات و شهوات، و من اقبال و إدبار،  فتكون حياتنا  أيها المسلم رهن هذه العقيدة  .

 
فرق كبير و بون شاسع فيما يقدمه الإتباع  اليوم في تناول جوانب هذه العقيدة  السليمة الواضحة  السهلة ، فقد  وجدتها عند هؤلاء عصية  صعبة التحصيل  يلزمني لحملها  تحصيل أعلى الشهادات لبلوغ تلك العتيدة  ،  فكم يلزمني من الحواشي و شرح الحواشي ،  و كم يلزمني من السنوات   لتحصيل تلك المعاني ،  و حين عدت للمنبع الصافي ، و مصدر الهداية ،  ظهرت لي المعاني سهلة لا غموض فيها و لا تعقيد ،  فيكفي الصحابي يومها  أن ينطق  بالشهادتين ،  لينطلق بعدها في عالم الحياة و في دروب الحياة يصنع   الروائع  .
 
إن الصور التي وردت إلينا  من سلفنا الصالح ،صور عملية  لتلقي الإيمان   ،قال ابن إسحاق : وكان من حديث [ ص: 345 ] الأسود الراعي ، فيما بلغني : أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر لبعض حصونخيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيرا لرجل من يهود ، فقال : يا رسول الله ، اعرض علي الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها ، فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال - فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبدا ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن . 
 
  حين نقف عند صور الإيمان في حياة المسلم ، نلتمسه من حياة الصحابة عليهم الرضوان ، فقد كانوا أمثلة عملية لصدق  الإيمان ، فالإيمان  يدفع الطفل الفتى يفدي  رسول الله  ، فينام علي كرم الله وجهه في فراش رسول الله معرضا نفسه للأذى نظير فداء رسول الله  . و هذا الصديق بتصدق بكل ماله في وجوه الخير ، و أن فضائلهكثيرة  ، فقد  كان كثير الصيام ،  و يتبع الجنائز ،و يطعم المسكين ، و يعود المريض ، فكان أتبث الناس عند وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ،  و كان أكثر الصحابة نصرة للإسلام  في حروب الردة  ، إن حياة الصحابة كانت عطاء مستمرا ،  فمن يجهز جيش العسرة  غير عثمان رضي الله عنه ،  و من يشتري بئر رومة  غيره ،  و من يوسع المسجد النبوي توسعة كبيرة ،  ثم يتحمل مشاق جمع المصحف الشريف، إن الصور كثيرة لا نستطيع حصرها ،  فصحابة رسول الله كانوا فرسانا في النهار، و رهبانا في الليل ،فهي صور ناطقة لعقيدة  تفعل الوجدان و المشاعر وتصنع  الحركة ، فهي ليست عقيدة ترف ، و حشو معرفي، بل هي  عقيدة تصوغ الحياة ،عقيدة سليمة، و عبادة صحيحة ،  كما هي  خلق متين .
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة