أقوال السلف عن الصحابة - د. سامية منيسي

وردت صفات الصحابة أو فضائلهم في كتب الطبقات والأحاديث والسيرة، ومنها قول ابن حجر في الإصابة[1]: (إن معرفة كون الشخص صحابيًا تعود لأمرين: أولهما: العدالة لأن الصحابة كلهم عدول، والثاني: المعاصرة للنبي صلى الله عليه وسلم).
ويقول أيضًا: (واتفق أهل السنَّة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة).
ثم يورد ابن حجر الروايات المختلفة في فضل الصحابة وصفاتهم وما يرجحه البعض في الصحابة من كونهم قد رأوه في يوم الفتح أو في غزوة من الغزوات.
ثم يوضح لنا ابن حجر شرط المعاصرة بقوله: (وأما الشرط الثاني وهو المعاصرة فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره لأصحابه: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد" رواه البخاري، ومسلم من حديث ابن عمر[2].
 
أما محمد بن حزم فيقول عنهم[3]:
(... وكلهم عدل إمام فاضل رضي، فرض علينا توقيرهم وتعظيمهم، وأن نستغفر لهم ونحبهم، وتمرة يتصدق بها أحدهم خير من صدقة أحدنا بما يملك، وجلسة من الواحد منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عبادة أحدنا دهره كله، وسواء أكان من ذكرنا على عهده صلى الله عليه وسلم صغيرًا أو بالغا فقد كان النعمان بن بشير، وعبد الله بن الزبير، والحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم أجمعين من أبناء العشر فأقل إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الحسين فكان حينئذ ابن ست سنين إذ مات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان محمود ابن الربيع ابن خمس سنين إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعقل مجَّة مجَّها النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه من ماء بئر دارهم، وكلهم معدودون في خيار الصحابة، مقبولون فيما رووا عنه صلى الله عليه وسلم أتم القبول، وسواء في ذلك الرجال والنساء والعبيد والأحرار.
ثم يستطرد ابن حزم بقوله: (وكلهم عدول فاضل من أهل الجنة..). ثم يورد الآيات في فضل الصحابة[4] ويعقب بقوله: (... هذه مواعيد الله تعالى، ووعد الله مضمون تمامه، وكلهم ممن مات مؤمنا قد آمن وعمل الصالحات، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا لي أصحابي، فلو كان لأحدكم مثل أحُد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"[5].
ثم يضيف ابن حزم قائلاً: (قال قوم: إنه لا يكون صاحبًا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة لكن من تكررت صحبته. وهذا خطأ بيقين لأنه قول بلا برهان) [6].
 
كما يذكر ابن الأثير شيئًا عن صفاتهم بقوله[7]:
(ولا خفاء على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن من تبوأ الدار والإيمان من المهاجرين والأنصار والسابقين إلى الإسلام والتابعين لهم بإحسان الذين شهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وسمعوا كلامه وشاهدوا أحواله ونقلوا ذلك إلى من بعدهم من الرجال والنساء من الأحرار والعبيد والإماء أولى بالضبط والحفظ، وهم الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون بتزكية الله سبحانه وتعالى لهم وثنائه عليهم؛ ولأن السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى غير ذلك من أمور الدين، إنما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها، وأولهم والمقدم عليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشد جهلًا، وأعظم إنكارًا، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم هم وغيهم من الرواة، حتى يصح العمل بما رواه الثقات منهم، وتقوم به الحجة، فإن المجهول لا تصح روايته، ولا ينبغي العمل بما رواه، والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح؛ لأن الله عز وجل ورسوله زكّياهم وعدّلاهم...).
 
أما ابن القيم الجوزية: فقد ذكر الصحابة وتلقيهم الرسالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
(ولما كان التلقي عنه صلى الله عليه وسلم على نوعين: نوع بواسطة ونوع بغير واسطة، وكان التلقي بلا واسطة حظّ أصحابه الذين حازوا قصبات السباق، واستولوا على الأمد، فلا طمع لأحد من الأمة بعدهم في اللحاق، ولكن المبرز من اتبع صراطهم المستقيم، واقتفي منهاجهم القويم، والمتخلف من عدل عن طريقهم ذات اليمين وذات الشمال، فذلك المنقطع التائه في بيداء المهالك والضلال، فأي خصلة خير لم يسبقوا إليها؟ وأي خطة رشد لم يستولوا عليها؟ تالله لقد وردوا رأس الماء من عين الحياة عذبًا صافيًا زلالًا وأيدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالًا، فتحوا القلوب بعدلهم بالقرآن والإيمان، والقُرى بالجهاد بالسيف والسنان، وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصًا صافيًا، وكان سندهم فيه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين سندًا صحيحًا عاليًا...)[8].
 
ويستطرد ابن قيم الجوزية حديثه في فصل الشروط التي تجب فيمن يبلغ عن الله ورسوله[9] بقوله:
(ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتم على العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالمًا بما يبلغ، صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضي السيرة، عدلًا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله...).
 
ثم يشير إلى عدل الصحابة بقوله في فصل من بلَّغ عن الرسول[10]:
(ثم قام بالفتوى بعده بركُ[11] الإسلام، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن، وجند الرحمن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم، ألين الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إيمانًا، وأعمّها نصيحة، وأقربها إلى الله وسيلة، وكانوا بين مكثر منها ومُقل ومتوسط).
 
أما ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب في أسماء الأصحاب) فقد وصف الصحابة بقوله:
(... فهم خير القرون وخير أمة أخرجت للناس ثبت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته ولا تزكية أفضل من ذلك ولا تعديل أكمل منها، قال الله عز وجل ذكره: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ... ﴾ [الفتح ]. فهذه صفحة من بادر إلى تصديقه والإيمان به وآزره ونصره ولصق به وصحبه وليس كذلك جميع من رآه، ولا جميع من آمن به وسترى منازلهم من الدين والإيمان وفضائل ذوي الفضل والتقدم منهم، والله قد فضل بعض النبيين على بعض وكذلك سائر المرسلين والحمد لله رب العالمين...) [12].
 
كما ذكر عن ابن عباس في قول الله عز وجل: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ... ﴾ (النمل) قال: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم [13].
 
كما أشار ابن عبد البر إلى حديث عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: يا أبا محمد ما فرق بين المهاجرين الأولين (يعني وغيرهم)؟ قال: فرق بين القبلتين، فمن صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من المهاجرين الأولين[14].
 
 
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة