أساليب أخلاقية في الاتصالات الهاتفية - د. عادل آل سدين مكي

 رسالة بعنوان

أساليب أخلاقية
في الاتصالات الهاتفية
 
المقدمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلام على المرسلين، وبعد:
فمما عمَّت به البلوى وجدَّ في هذا الزمان - مع كثرة فوائد (الهواتف) - تلك الوسائل التي تيسر المكالمات الصوتية لك بكلِّ مَن تريده ممن تملِك رقم جواله أو هاتفه.
 
ولما كانت هذه الوسيلة (الاتصال الهاتفي) تفتقر إلى مراعاة بعض الآداب الإسلامية؛ نظرًا لحداثتها، ونُدرة ما كتب حولها - إن وُجد - رأيت أن مِن الواجب الشرعي عليَّ أن أنبه على بعض تلك الآداب، مما وقفت عليه، ولا أدعي نزاهتي عما سجَّلته من أخطاء غيري؛ فالأمر حديث، والخطأ في هذا الباب وارد غير متعمَّد، فينبغي العلاج فيه برفق، والتنبيه على ما سُجِّل من أخطاء فيه بعين الغير، فقد لا يرى المرءُ خطأه، وينظر أخطاء غيره.
 
ومن هنا، كانت تلك الكلمات التي سطرتها تنبيهًا لنفسي، وتذكيرًا لغيري، وتوجيهًا لمَن أراد السلامة في استعمال هذه الأجهزة المستحدَثة.
 
كما أنني لا أدعي أني سجلتُ كل الأخطاء؛ فكم مِن خطأ لا ترمقه عينك فيغيب عن ذهنك! ومن هنا كان الباب مفتوحًا للإضافة إلى تلك الأخطاء؛ بُغْية علاجها، والتغلُّب على مشكلاتها، والحمد لله رب العالمين.
 
الباعث على التصنيف:
لا يَخفى على مَن طالع القُرآنَ والسنَّة اعتناءُ الشريعة الإسلامية بوضع الضوابط في سائر التعاملات، ولعل سورة النور عالجَتْ كثيرًا من تلك الآداب العامة، ومثلها في ذلك سورة الأحزاب، وكثير من سور القرآن في مواضع متعددة.
 
ومِن أمثلة ذلك ما تناوله القرآن في:
1- أمر الاستئذان عند دخول البيوت؛ فجعل له الإسلام آدابًا، وفصَّلها وبيَّن أحكامها؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ [النور: 27 - 29].
 
2- وكذا عالَج القرآنُ آداب المُكث للسَّمر بالبيوت عقب الاستضافة وانتهاء المهمة؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا * إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 53، 54].
وغير ذلك كثير.
 
ومِن الآداب التي تناولتها السنَّة المطهَّرة:
1- آداب الجلوس في الطرقاتِ؛ فقد جاء في الحديث قولُه صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخانِ البخاريُّ ومسلم في صحيحيهما: ((إياكم والجلوسَ في الطرقات))، قالوا: يا رسول الله، ما لنا بدٌّ مِن مجالسنا، نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا أبيتم إلا المجلسَ، فأعطوا الطريقَ حقَّه))، قالوا: وما حقه؟ قال: ((غضُّ البصَر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكَر))[1].
 
2- آداب التعرُّف على الحقوق العامة لإخوانِك مِن المسلمين؛ ففي الحديث: ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ))، قيل: ما هن يا رسولَ الله؟ قال: ((إذا لقِيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصَحَك فانصَحْ له، وإذا عطَس فحمِد اللهَ فسَمِّتْه، وإذا مرِض فعُدْه، وإذا مات فاتْبَعْه))[2].
ومواطنُ مراعاة الآداب والأخلاق في الإسلام في كثيرٍ مِن المعاملات كثيرةٌ وغزيرة.
 
أخلاقيَّات تتعلق بالهواتف واستعمالاتها بصفة العموم:
• بعض الناس يغالون في أنواع الهواتف، وكلما أطلَّ موديل جديد بالأسواق سارَعوا إلى اقتنائه، فقط لحداثته، أو للتباهي بشكله ومنظره، مع أن الهاتفَ في الأصل مجردُ وسيلة اتصال، ويسمح فقط بمراعاة الموديلات لِما فيها من بعض الخصائص التي يحتاجها العميل، وهذا هو الأصل في استحداث الموديلات، ويسمح من أجل ذلك باستهدار جزء من المال، لكن للأسف العامة يجرون خلف الموديل الجديد، مهما كلفهم ذلك، وهم لا يستخدمون إلا 10 % فقط من خصائص وصلاحيات الهواتف، وباقي النسبة 90 % يجهلونها تمامًا، فيكون إنفاقهم للمال مِن الإسراف والتبذير المنهيِّ عنه.
 
• بعض الناس يضعون صورًا خاصة لهم ولأهليهم على هواتفهم؛ ظنًّا منهم أن استعمالها شخصي فقط، وراح مِن أذهانهم أنها عُرضة للسرقة والضياع، فتسقُطُ صورهم الخاصة بأيدي مَن عثَر على تلك الهواتف، فربما يسيء استغلالها، أو استغلال أصحابها.
 
• بعض النساء تظنُّ أنها بمجرد حذف صورتها مِن الهاتف أنها تخلَّصت من وجودها به، فتذهب به للصيانة - وللأسف هناك برامجُ لاسترجاع الصور المحذوفة - فيتمكن القائمُ على الصيانة مِن إعادة تلك الصور، واستعمالها كما يشاء، وربما ابتَزَّ بها الفتاة.
 
أخلاقيَّات تتعلَّق بالمتَّصِل:
سجَّلتُ هنا جملةً مِن الأخلاقيات التي ينبغي على المتَّصِل مراعاتُها قبل وأثناءَ اتصاله:
• عرِّفْ بنفسك، واذكُرِ اسمك كاملًا حال اتصالِك بمَن لا يسجِّل رقمك؛ فبعض الناس يتدلَّل في التعريف بنفسه؛ كأن يقول: هل تعرفني؟ فيرد عليه: لا، مَن معي؟ فيقول: تذكَّر جيدًا، ألا تعرف هذا الصوت؟! كل هذا تضييعُ وقت بلا فائدة، وبعضهم يختصر فيقول مثلًا: أنا علي، أو: أنا زيد! وكأنه صار مِن الشُّهرة بحيث يكتفى بذكر اسمه مجردًا!
 
• لا تسأل مَن اتصلتَ عليه: مَن معي؟ وإن وجدتَ صوتًا غيرَ الصوت الذي تقصِدُه، فسَلْه مباشرة: هل أنت فلان؟ لأني اتصلت أطلبه، فهل الرقم له؟ فإن أجابكَ بأنه ليس هو، فاعتذِرْ منه لإزعاجه، ولا تُطِلْ عليه؛ فالرقمُ خطأ.
 
• حاوِلْ أن تتخيَّرَ أوقات الاتصال؛ فليس كل الناس مهيَّئِين للرد في كل الأوقات.
 
• إذا اتصلتَ بشخص ولم يرد عليك، فلا تكرِّرِ الاتصالَ بطريقة مزعجة في نفس الوقت، بل تخيَّر أوقاتًا أخرى، إلا إذا ظننتَ أنه لا يسمعُ اتصالك، وكان بينكما موعد.
 
• في حالة فَتْح الخط عليك مِن قِبَل مَن اتصلت به، فلا تُطِلِ الكلامَ إلا لضرورة؛ فقد تكون أنت مهيأً للاتصال، بينما الطرف الآخر عنده بعض الشواغل.
 
• إذا ألقيتَ السلام على مَن اتصلت عليه بعد فتحه الخط، ولم يردَّ السلام مرحِّبًا بك بأي صيغة، فادخُلْ للموضوع مباشرة، ولا تطالبه برد السلام، ولا تكرِّره؛ فقد يكون على وضعٍ لا يسمح برد السلام؛ كقضاء حاجة، أو اغتسال، وإنما استقبَل المكالمة احترامًا لآداب التواصل، ومراعاة لظروف المتصل.
 
• لا تكترِثْ كثيرًا بأينا يتصل بالآخر، بل بادِرْ بالاتصال بمَن كانت لديه حاجتك، أو لديك حاجته؛ فللأسف كثيرٌ مِن الناس يرون أن الاتصالَ على مَن احتاجهم؛ (قانون أصحاب المصالح، وملخَّصه: اللي عايزني يتصل).
 
أخلاقيَّات تتعلَّق بالمتَّصَل به:
سجَّلتُ هنا جملة من الأخلاقيات التي ينبغي على المستقبِل للاتصال أن يتحلى بها، وهذه الآدابُ هي:
• إذا كنتَ مشغولًا ولن تتمكن مِن الرد على أحد، فهناك خاصيةُ غَلْق الهاتف، وهي أكثرُ احترامًا لطالبيك.
 
• لا تتعمَّدْ عدمَ الرد على مَن اتصَل بك، ما دمتَ تعرفه معرفة جيدة، بل الأفضل أن تردَّ عليه وتعتذرَ منه لو كنت منشغلًا، وتعده باتصال منك في وقت لاحق فور انتهائك من شُغلك، والأفضل أن تضربَ له موعدًا لسماعه والاتصال به مِن قِبَلك.
 
• حاوِلِ الاعتذارَ ممَّن اتصل بك ووصلتك رنتُه ولم تتمكن مِن الرد عليه - اعتذِرْ بمكالمة، أو بإرسال رسالة اعتذار - لأن عدمَ الرد يسمَّى بلغة العصر: "تطنيشًا"... والتطنيش سلوكٌ غيرُ حضاري!
 
• يفضَّل عند فتح الخط على مَن اتصل بك أن تبدأَه بالسلام، أو تردَّ سلامه لو سبقك به، وهو أفضلُ مِن كلمة: (آآآآآآلوووو - helloooo).
 
• لا تسبِقْ في الكلام متعجِّلًا على مَن اتصَل بك، وتُجبِره على موضوع قبل أن تعطيَه فسحةً للحديث في الموضوع الذي اتصل مِن أجله، فاترُكْ له فسحة الحديث ابتداءً؛ فلعل معه أمرًا عاجلًا فيستحيي مِن مقاطعتك.
 
خاتمة:
الحمد لله أولًا وآخِرًا، والصلاة والسلام على مَن أرسله ربه منذرًا ومبشِّرًا، وبعد:
فقد طوَّفْتُ في جملة من الآداب التي ينبغي على حامل الجوالات والهواتف مراعاتها، ولا أدعي أني أحطتُ بكل الآداب؛ فالآداب أكثرُ مِن أن تحصى، لكني استقرأتُ أحوال الناس في تعاملاتهم فسطرتُ هذه الكلمات؛ تذكيرًا لنفسي، وتنبيهًا لغيري، فإن أكُنْ وُفِّقت فمن الله وحده، وإن كانت الأخرى فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان!
وهذا ما تيسر جمعه، والحمد لله رب العالمين..