هولاند يعتذر عن تشبيه مسلمات فرنسا بماريان

السوسنة - اضطر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من الاعتذار على كلام قاله بحق المسلمين في فرنسا وبالذات المسلمات.
 
ففي الكتاب الصادر حديثاً، وهو عبارة عن مقابلة مطوّلة أجراها صحافيان من "لوموند" مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، قال الرئيس أن "هناك مشكلة مع الإسلام، بلا شكّ"، موضحاً أن "الإسلام في حد ذاته ليس دِيناً خطيراً، لكن الإشكالية في أنه يسعى إلى تكريس نفسه داخل الجمهورية الفرنسية.. ويمكنه أن يصبح مشكلة إذا لم يُبلِغ المسلمون (السلطات) عن أفعال متطرفة، أو إذا قام أئمة المساجد بأفعال منافية لـ(قِيَم) الجمهورية".
 
إلا أن الانتقادات التي انهمرت على هولاند كالرصاص، لم تستنهضها العبارات أعلاه وحدها، بل في سياق لبقية الكلام عن المُسلِمات تحديداً (إضافة بالطبع إلى كلامه الذي اعتُبر مُحقّراً للقضاء الفرنسي وللرئيس السابق نيكولا ساركوزي ومنتخب كرة القدم الفرنسي، وصديقته السابقة فاليري تريلويلر).
قال هولاند: "محجّبات اليوم هنّ ماريان الغد". 
 
هي ماريان، عارية الصدر، رمز الحرية والعقلانية، أيقونة الجمهورية الفرنسية التي تقود الشعب في ثورته، كما رسمها يوجين دولاكروا (1830). ماريان المنتصب تمثالها "الإلهي" وسط "ساحة الجمهورية" في باريس. 
 
في رأي الرئيس هولاند: "إذا استطعنا تأمين شروط تحقيقها لِذَاتها، فإنها (المرأة المحجبة) ستحرر نفسها من حجابها وتصبح امرأة فرنسية، مع بقائها على تديّنها إن شاءت ذلك، وسيصبح في إمكانها أن تحظى بمثال أعلى". وأضاف: "هذه المرأة ستفضّل الحرية على الخضوع. ربما يحميها حجابها الآن، لكنها، غداً، ربما لن تحتاجه لتطمئن إلى وجودها في المجتمع". 
 
لا حاجة إلى تأمل طويل لاستبيان التبسيط في كلام هولاند الذي يتناول الحجاب كـ"مرض" يمكن علاجه، أو قمع لا يستحيل رفعه، بل كأنه ساواه بالميول الإجرامية القابلة للكبح والترويض من خلال احتواء أصحابها اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً. 
 
وقد نجازف فنخمّن أن هولاند بهَرَته الصُور التي احتفت بها الصحافة العالمية، وتُظهر نساء منبج في ريف حلب، إثر انسحاب قوات "داعش" من بلدتهن، وهن ينزعن أغطيتهن السود ويدخنّ السجائر أمام عدسات التصوير. 
 
وإن لم يكن هولاند قد تأثّر بتلك المَشاهد، فالأكيد أن تصوّره عن الفرنسيات (المهاجرات) المحجبات، يرتسم في خطّ مواز لتلك الصور. أولاً، من حيث أن كثيرين صفّقوا لفعل "الخلع"، متجاهلين دلالة الإسلام "التقليدي" في ما ظهر من نساء منبج بعد نزعهن العباءة والنقاب، أي أجسادهن المغطاة وحجابهن "العادي"، كما في أي قرية ذات غالبية سكانية مسلمة. بل ذهب الاغتباط إلى اعتبار منظر نزع العباءات ذاك، تحريراً للمرأة، أسوة ببلدتها، على طريقة هدى شعرواي. 
 
أما الرابط الثاني بين كلام هولاند وصُور منبج، فهو أن النقاب والعباءات السود كانت (بالفعل) طارئة على نساء منبج، إذ فرضها احتلال "داعش" للبلدة، لكن الحجاب عموماً ليس كذلك بالضرورة، ولا حتى النقاب في أماكن أخرى من العالم الإسلامي. والحال إن الرئيس الفرنسي يعبّر عن فكرة ما زالت سائدة بقوة في الغرب، وهي أن المرأة المحجّبة مجبرة على حجابها من سلطات اجتماعية ذكورية، من دون أي قناعة ذاتية، وأنها ستقفز للفوز بأول فرصة لخلعه، كما تُغافل فتاة مراهقة أبويها الصارمين لتُشعل سيجارة أو تسمح لابن الجيران بمغازلتها. 
 
لكن، إذا كان الكلام عن ذكورية الدّين، وارداً وحقيقياً، كسُلطة مُستبطنة في التركيبة التربوية والثقافية للمجتمع الإسلامي المحافظ، تلمّستها بحوث ودراسات كثيرة، إلا أن فكرة الإجبار بالمعنى الحرفي والمباشر، تبدو اختزالية، بل وعلى شيء من الجهل، ليس بالمحرّكات "الروحية" والثقافية للجماعات المسلمة/الإسلامية فحسب، بل هو أيضاً جهل لأبسط التنظيرات المعاصرة حول سياسة/ثقافة الهوية وتجلياتها لدى الرجال والنساء معاً، في الشرق كما في الغرب.
 
لكن... بعد وضع رؤية هولاند هذه في مكانها، ربما يصحّ القول بأن الرئيس الفرنسي – من حيث لا يدري! – لم يُجانب زاوية الحقيقة، وإن لم تكن الحقيقة ذاتها التي توخاها في حديثه إلى الصحافيَين. 
 
في كندا واسكتلندا، سُمح، مؤخراً، للنساء المنتسبات إلى الشرطة، بارتداء الحجاب.
 
ومصممة زيّ "البوركيني"، الذي أثار ضجة واسعة في فرنسا مؤخراً، هي المحجبة اللبنانية-الأسترالية، آهيدا زانيتي. وقد كتبت في جريدة "الغارديان" البريطانية قصة اختراعها لهذا الرداء الرياضي الحاجب لأجساد النساء، راويةً بأنها أرادت تسهيل أداء قريبتها الشابة في فريق كرة الشاطئ، مشددة على أنها "أسترالية" حتى النخاع، وتنتمي إلى هذا المجتمع المتنوع، وتريد أن تكون للمحجبات فيه فرصة ممارسة الرياضة وعيش الحياة الأسترالية الكاملة. وزانيتي لا تعتبر "البوركيني" رمزاً إسلامياً، وتقول أنه يمكن ليهوديات ومسيحيات وهندوسيات أن يرتدينه، إلى جانب سيدات يعانين سرطان الجلد، أو أمهات جديدات لم يرتحن بَعد لأجسادهن في المايوه البكيني. 
 
وفي أستراليا أيضاً، انضمت المسلمات المحتجبات إلى فِرَق الإنقاذ البحرية. وتتدرّب مراهقة محجبة في سيدني لتكون أول راقصة باليه محجبة في العالم. 
 

 





آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة