الحكمة من جعل الشيطان عدوًّا للإنسان - د. سيف صفاء الدوري

ما الحكمة من وراء جعل الشيطان بمختلف دلالاته عدوًّا للإنسان؛ يؤزُّه أزًّا، ويتربَّص به، ويقعد له على طريقه القويم، محاولًا صرفه عنه؟
 
 
يمكن أن نَستنبط الحكمَ من ذلك على النحو الآتي:
1- ابتلاء العباد واختبارهم: وهذه الحكمة واضِحة؛ لتمييز مَن يطيع الله ممَّن يعصيه؛ ذلك أنَّ الشيطان مثله مثل القوى الشهوانيَّة في الإنسان، ومثل ما خُلق في الدنيا من صنوف الزَّخارف وأنواع الملاذ والملاهي التي يَمتحن الله بها عبادَه[1].
 
 
 
2- إظهار قدرة الله تعالى في خَلق المتضادَّات: لقد خَلق الله في كونه الكثيرَ من المتضادات التي فيها إظهارٌ لقدرته سبحانه وتعالى؛ خلَق السماء والأرض، والليلَ والنهار، والداءَ والدواء، والجنَّةَ والنار، والخيرَ والشر، والشيطانَ الذي هو أخبَث الذوات وسبب كلِّ شرٍّ، بمقابل جبريل عليه السلام الذي هو مِن أشرَف الذَّوات وأطهرها وأزكاها ومثل للخير؛ ففي هذا إظهار لقدرة القادِر، وفيه إظهار لحُسن الضدَّين؛ فإنَّ الضدَّ إنما يَظهر حسنُه بضدِّه؛ فلولا القبيح لَم تُعرف فضيلة الجميل، ولولا الفقر لم يعرف قَدر الغنى، ولولا الشر لم يُعرف طريق الخير وفضله[2].
 
 
 
3- ظهور متعلقات أسماء الله تعالى: إنَّ أسماء الله تعالى تَستدعي متعلقات تَظهر فيها أحكامها؛ كأسماء الله تعالى القهرية (القهَّار والمنتقِم، والضار والنافع، والخافض والرَّافع)؛ فلهذه الأسماء كَمالات لا بد من وجود متعلقاتها، ولو كان الجن والإنس على طَبيعة الملائكة، لم يَظهر أثَر هذه الأسماء؛ كذلك هو الحال في أسمائه تعالى التي تدلُّ على حِكمته؛ فاسم الحكيم يدلُّ على أنَّه تعالى صاحِب الحِكمة؛ لكمال عِلمه وإتقانه كلَّ شيء، ويعد وجود إبليس والشيطان من تَمام حكمته؛ لذا يمكِن القول: إنَّ من الحكم المترتبة على خلق الشيطان ظهور متعلقات أسمائه جلَّ شأنه[3].
 
 
 
4- ويمكن أن نضيف حكمةً أخرى، نَستنبطها من خلال النُّصوص القرآنيَّة؛ هي أنَّ في خَلق الشيطان وتَسليطه على الإنسان إبرازًا وإظهارًا لقدرات الإنسان على المدافعة والتنبُّه، فلو لم يكن الشيطان مسلَّطًا على الإنسان، لَما برزَت دوافعه في القدرة على المدافعة والصدِّ، ولَما شحذ ذهنه في التنبُّه، ولتبلَّدَت دوافعه كذلك؛ فإنَّ في هذا التسلُّط إظهارًا لمعنى اللجوء إلى الله في الشَّدائد والملمَّات، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].
 
 
 
تلك بعض الحِكَم مِن خَلقِ الشيطان وتسليطِه على الإنسان، والله أعلم وأحكَم فيما يخلق ويريد!
 
 
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة