هل خصّ عثمان أقاربه بالإمارة .. ؟

    سامي عطا
 
عندما تولى عثمان --  رضي الله عنه  -   الخلافة ، ترك الولاة  في مناصبهم فترة من الزمن بوصية من عمر بن الخطاب  -  رضي الله عنه  -  ، ثم غيّر بعضهم حسب اجتهاده وما تقتضيه المصلحة ، وظروف الأمصار ، و سار في رعيته باللين   والحلم ،والعدل والتواضع (  الطبري : تاريخ الأمم و الملوك ،  ج2 ص: 587، 681، 693 .و ابن كثير : البداية والنهاية ،  ج 7 ص: 214. والذهبي: الخلفاء الراشدون ، حققه حسام الدين القدسي، ص: 482 )  
 
لكن رعيته  وجدت في إسناده الإمارة لأقاربه مدخلا للطعن فيه والإنكار عليه ، فقال الناقمون عليه إنه اتخذ بطانة سوء من أقاربه ،وقسّم بينهم الولايات ، ولم يسمع لمن عاتبه عن ذلك الفعل ، ولم يرجع عنه    (الطبري :   ج2 ص: 661 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 1ص: 314 .وابن تيمية : منهاج السنة النبوية ، ج 6 ص: 181  ) 
 
فبخصوص التساؤل الأول ،  فالجواب عنه من وجهين ..
 
 الأول :  إن تعيين عثمان أقاربه ولاة ليس بحرام ، فليس  في القرآن الكريم ولا السنة النبوية ، ما  يحُرّم على الحاكم إسناد الإمارة لأقاربه .
 
والوجه الثاني :  هو أن عثمان  -  رضي الله عنه  -  لم ينفرد عن الخلفاء الراشدين بتعيين أقاربه ولاة له ، فقد أسند علي بن أبي طالب  -  رضي الله عنه  -  لإمارة لأقاربه ، و لأناس مطعون فيهم ، فمن أقاربه الذين ولاهم : عبد الله بن عباس على البصرة ،وعبيد الله بن العباس على البحرين واليمن ،وقثم بن العباس على الطائف  ومكة(الطبري : نفس المصدر  ج 2 ص: 163 .) وولّى من المطعون فيهم : محمد بن أبي حذيفة على مصر ، الأشتر النخعي على مصر ،  والجزيرة ،ومحمد بن أبي بكر على مصر ، وهؤلاء الثلاثة هم من رؤوس الفتنة المتألبين على عثمان  -  رضي الله عنه  -.  فإذا كان عثمان يُلام على تعيين أقاربه ولاة ، فعليّ هو الآخر يلام على ذلك ، خاصة وأنه ولى حتى رؤوس الفتنة  لكن حقيقة الأمر أن ما فعلاه يدل على أن إسناد الإمارة للأقارب ليس حراماً ، إذ لو كان حراماً ما اقتربا منه . 
 
   و أما بالنسبة للتساؤل الثاني ، فأشير أولا :   إلى أنه روي أن عثمان -  t -  لم يكن يعزل أحدا من ولاته إلا إذا شكته رعيته ، أو استعفاه أحد ولاته بأن يعفيه من منصبه ، أو ساءت علاقته مع أعوانه المقربين منه  ( الطبري : ج2 ص: 597 ، 599  .و ابن كثير :  ج7 ص: 170)  .
 
   وثانيا :  إن تعيين عثمان بعض أقاربه من بني أمية ، لم يكن جديداً على المسلمين ، فقد كان بنو أمية من أكثر القبائل العربية تولياً للمناصب منذ زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فإنه استعمل منهم ، عتاب بن أسيد ، وخالد بن العاص ،وأبان بن سعيد بن العاص ،وسعيد بن سعيد بن العاص ،ويزيد بن أبي سفيان ، وشيخهم أبا سفيان بن حرب . و قد سار على ذلك النهج أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، في إسناد المسؤوليات لبني أمية   (  ابن تيمية : منهاج السنة ،  ج 3ص: 145 .  )  . 
 
     وثالثا :  فمن حق أمير المؤمنين عثمان بن عفان   -  رضي الله عنه  -  أن يُولِّي من رآه أهلا للولاية ، سواء أكان من أقاربه أو من غيرهم من الناس ، و لا يحق لأحد أن يعترض عليه لمجرد أنه ولى بعض أقاربه الإمارة . فهو خليفة راشد مُنتخب له مطلق الحرية في تعيين الولاة وعزلهم ،  خدمة للدين والبلاد . 
 
      ورابعا :  إن التهمة الموجهة  لعثمان -  رضي الله عنه  -  ،  في أنه خصّ أقاربه بالإمارة ، هي تهمة باطلة لا تثبت أمام الحقائق التاريخية ، فهو  كما ولَّى من أقاربه ، ولى أيضا أكثر من هؤلاء من  مختلف القبائل ؛ فمن ولاته : ( عبد الله بن الحضرمي ، والقاسم بن ربيعة الثقفي ، ويعلى بن منية ،  والوليد بن عقبة ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعبد الله بن عامر بن كريز ،ومحمد بن أبي بكر، وأبو موسى الأشعري ،وجرير بن عبد الله ،والأشعث بن قيس ، وعتبة بن النحاس ،والسائب بن الأقرع ،وسعد بن أبي وقاص ، وخالد بن العاص المخزومي،  وقيس بن الهيثم السلمي ، وحبيب بن اليربوعي ،وخالد بن عبد الله بن نصر ،وأمين بن أبي اليشكري ) (الطبري :  ج2 ص: 693 .و الذهبي: سيّر أعلام النبلاء ، ج 3ص: 482 .وتاريخ خليفة خياط ، ج1 ص: 156، 157.)       فهؤلاء الولاة لا يوجد منهم من أقارب عثمان -  t - إلا خمسة ، و هم : معاوية بن أبي سفيان ،والوليد بن عقبة ،  وسعيد بن العاص ،وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ،وعبد الله بن عامر بن كريز . فهل يصح – بعد هذا – أن يقال أن عثمان خصّ أقاربه بالإمارة دون غيرهم من الناس .. ؟  وربما يقال إنه أكثر من أقاربه في السنوات الأخيرة من خلافته ، لذلك تألّب عليه المشاغبون . وهذا ادعاء غير صحيح ،ومبالغ فيه جداً ، لأنه إذا رجعنا إلى وُلاّته في السنة الأخيرة من خلافته ( سنة :35 هـ) وجدنا ثلاثة فقط من أقاربه ، و هم : (  معاوية على الشام ،وعبد الله بن سعد بن أبي السرح على مصر ، وعبد الله بن كريز على البصرة  ) وباقي ولاته   – في تلك السنة – من غير أقاربه، و عددهم تسعة ، وهم : (  قيس بن الهيثم السلمي على خراسان ، والقاسم بن ربيعة الثقفي على الطائف ،ويعلى بن منية على صنعاء ،وأبو موسى الأشعري  على الكوفة ، وجرير بن عبد الله على قرقيسيا ،والأشعث بن قيس على أذربيجان ،وعتبة بن النحاس على حلوان ،والسائب بن الأقرع على أصبهان ) (الطبري : المصدر السابق ج 2 ص: 605 ، 693 .). فعثمان اتخذ عمالاً من مختلف القبائل ، وأن ولاته من أقاربه هم ثلاثة مقابل تسعة ليسوا من أقاربه .. ؟ فهذا يثبت أن الناقمين عليه افتروا عليه عندما اتهموه بأنه حابى أقاربه ، وخصّهم بالولايات دون غيرهم من الناس  . 
 
  و برر شيخ الإسلام ابن تيمية ، اعتماد عثمان على أقاربه في إدارة الدولة ، بأنه لابد للإمام من بطانة تساعده وتدافع عنه ، فكان  -أي عثمان  – يرى ذلك في أقاربه (  ابن تيمية :   ج 3ص : 190 ، 191 .   ) . 
 
وذهب شيخنا محمد الصادق عرجون – رحمه الله -  إلى القول بأن عثمان لما رأى إزورار الهاشميين و بيوتات أخرى عنه ، اعتمد على عصبيته وقومه وهم موضع ثقته ، وأحرص الناس على إنجاحه وتحقيق مقاصد الشرع من عدل ورحمة بين الناس ، ولكي ينتفع صاحب المنصب بعصبيته عليه أن يقرّبهم منه ويرفع  ذوي النبوغ منهم إلى كفاياتهم  وقدراتهم(محمد الصادق عرجون : خالد بن الوليد ، ط2 ، 1981 ، ص: 103 . )     
 
  لكن أبا الأعلى المودودي لم يعذر عثمان في إسناد الإمارة لأ قاربه ، وعذر علياً بن أبي طالب في تولية أقاربه  لأن علياً كان مضطراً إلى ذلك لقلة من يثق فيه ، أما عثمان فلم يكن مجبراً على استمداد العون من رهطه وذويه ، ومعه جمع من الصحابة يعاونونه( أبو الأعلى المودودي : الخلافة و الملك ، ص :93 .   ).  وقوله هذا فيه مبالغات و مغالطات ، فعثمان    -  t -  قد استعمل كثيرا من العمال من غير أقاربه ، كما سبق وأن ذكرنا . وعَيَّنَ من غير أقاربه أناسا قلدهم مسؤوليات على الشرطة ،وبيت المال ، والقضاء والجُند ، منهم : الصحابي : زيد بن ثابت ،والقعقاع بن عمر ، وجابر بن عمر المزني ، وعقبة بن عمرو(الطبري: المصدر السابق ج 2 ص: 693 .و خليفة خياط :  ج 1 ص: 156 و ما بعدها )  . ( وانظر : بحث الدكتور: خالد كبير علال ، - الثورة على عثمان - ، بتصرف واختصار   ) .