هل تصح الرقية الشرعية بكل ذِكر أو كلام؟

 السوسنة - يتساءل البعض عن مفردات الرقية الشرعية المنصوص عليها، ويتساءل آخرون هل تصح الرقية بكل ذكر أو كلام؟ وهو ما تجيب عليه السوسنة من خلال العودة إلى موقع دائرة الإفتاء الأردنية، والبحث عن إجابة مطابقة، وكانت باختصار " تصح الرقية الشرعية تصح بكل ذِكر أو كلام لا يخالف الشرع"، وهذا نص السؤال والفتوى بالتفصيل:

 

السؤال:
ذكر أحدهم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (اعرضوا عليّ رقاكم)، وحيث إن النبي لم يقل "خذوا عني رقاكم" فإن هذا دليل على أنّ الرقية اجتهادية، وأن لكل طريقته في التشخيص والعلاج. وقد قرأت كلاماً لابن قدامة في [المغني] وهذا نصه: "وأما من يَحُل السحر، فإن كان بشيء من القرآن، أو شيء من الذكر والإقسام والكلام الذي لا بأس به، فلا بأس به، وإن كان بشيء من السحر، فقد توقف أحمد عنه. قال الأثرم سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل يزعم أنه يَحُل السحر، فقال: قد رخص فيه بعض الناس. قيل لأبي عبد الله: إنه يجعل الطنجير ماء، ويغيب فيه، ويعمل كذا، فنفض يده كالمنكر، وقال: ما أدري ما هذا؟ قيل له: فترى أن يؤتى مثل هذا يَحُل السحر؟ فقال: ما أدري ما هذا؟ وروي عن محمد بن سيرين، أنه سئل عن امرأة يعذبها السحرة، فقال رجل: أخُط خَطاً عليها، وأغرز السكين عند مجمع الخط، وأقرأ القرآن. فقال محمد: ما أعلم بقراءة القرآن بأسا على حال، ولا أدري ما الخط والسكين؟ وروي عن سعيد بن المسيب في الرجل يؤخذ عن امرأته، فيلتمس من يداويه، فقال: إنما نهى الله عما يضر، ولم ينه عما ينفع. وقال أيضا: إن استطعت أن تنفع أخاك فافعل. فهذا من قولهم يدل على أن المُعَزِّمَ ونحوه، لم يدخلوا في حكم السحرة؛ ولأنهم لا يُسمَّون به، وهو مما ينفع ولا يضر". والذي أفهمه من جميع ذلك أن الرقية ليست توقيفية، وأنها تدخل فيها التجارب مثل الطب. فما هو القول في ذلك؟ وحيث إن أكثر الرقاة يستخدمون الماء والملح المقروء لرشه في مكان السحر المرشوش أو في زوايا البيت، وكذلك يستخدمون الاغتسال ببعض الأعشاب، وكذلك يستخدمون التبخير ببعض الأعشاب التي تواتر أنها نافعة بإذن الله، وذلك بأن باب التجارب مفتوح، فهل ما فهمته أن الرقية اجتهادية صحيح؟
 
 
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 
شرع الإسلام التداوي من الأمراض التي تصيب الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ) رواه أبو داود، وعلاج الأمراض التي يكون سببها عضوياً طبيعياً يكون بالأخذ بالأسباب المادية المشروعة التي يحددها الأطباء المختصون، لورود الأحاديث الكثيرة التي تدل على ذلك منها: ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ اللَّدُودُ وَالسَّعُوطُ وَالحِجَامَةُ وَالمَشِيُّ، وَخَيْرُ مَا اكْتَحَلْتُمْ بِهِ الإِثْمِدُ، فَإِنَّهُ يَجْلُو البَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ. قال: وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ) رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: (الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فِي الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلَّا السَّامَ)، والسام هو الموت، رواه البخاري ومسلم.
وقد يصاب الإنسان بالعين والسحر والمسّ كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما رواه البخاري في "كتاب الطب، باب العين حقّ" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (العَيْنُ حَقٌّ) وَنَهَى عَنِ الوَشْمِ، قال ابن حجر رحمه الله: "أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود...، قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث...، وقال النووي: في الحديث إثبات القدر وصحة أمر العين وأنها قوية الضرر" [فتح الباري 10/ 210-215]، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ العَيْنِ) رواه البخاري.
والتداوي من السحر والعين يكون بالرقية الشرعية، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ جِبْرِيلَ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟" فَقَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ" رواه مسلم.
ولا بدّ أن تجتمع في الرقية الشرعية شروط ثلاثة:
1. أن تكون بالقرآن والأذكار والدعاء أو الكلام المباح.
2. وأن تكون باللغة العربية، ولا تشتمل على كلمات غير مفهومة، ولا على رموز ولغات أخرى.
3. أن لا ينسب الشفاء إليها، وإنما ينسب إلى الله عز وجل.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "لا يجوز لأحد أن يستعمل رقية -سواء كانت من كافر أو غيره- إلا إذا علم أنها غير مشتملة على كفر أو محرّم، والدليل على ذلك أنّ الصحابة لما سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عن رقاهم لم يأذن لهم فيها حتى أمرهم بأن يعرضوها عليه، فعرضوها عليه، فقال: لا بأس.
وحيث كان في الرقية اسم سريانيّ مثلاً لم يجز استعمالها قراءة ولا كتابة، إلا إن قال أحد من أهل العلم الموثوق بهم: إن مدلول ذلك الاسم معنى جائز؛ لأنّ تلك الأسماء المجهولة المعنى قد تكون دالة على كفر أو محرم، كما صرّح به أئمتنا، فلذلك حرموها قبل علم معناها" [الفتاوى الفقهية الكبرى 1/ 37].
وتصحّ الرقية الشرعية بكلّ ذكر أو كلام مباح ثبت نفعه بالتجربة، ولو لم يرد ما يدل عليه بالكتاب أو السنة المطهرة، فقد اجتهد بعض الصحابة في الرقية الشرعية ولم يعترض عليهم رسول الله صلى عليه وسلم لما بلغه الأمر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كَانُوا في سَفَرٍ، فَمَرُّوا بحَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ، فَقالوا لهمْ: هلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فإنَّ سَيِّدَ الحَيِّ لَدِيغٌ، أَوْ مُصَابٌ، فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: نَعَمْ، فأتَاهُ فَرَقَاهُ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِن غَنَمٍ، فأبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقالَ: حتَّى أَذْكُرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، وَاللَّهِ ما رَقَيْتُ إلَّا بفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَتَبَسَّمَ وَقالَ: وَما أَدْرَاكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قالَ: خُذُوا منهمْ، وَاضْرِبُوا لي بسَهْمٍ معكُمْ. وفي رواية: بهذا الإسْنَادِ. وَقالَ في الحَديثِ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ أُمَّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ الرَّجُلُ. رواه البخاري ومسلم.
يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى عند شرحه للحديث السابق: "وفي الحديث جواز الرقية بكتاب الله ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور، وأما الرقى بما سوى ذلك فليس في الحديث ما يثبته ولا ما ينفيه" [فتح الباري 4/ 457].
ولا بدّ في العلاج -سواء من جهة المريض أو المعالج- من قوة نفسه، وصدق توجهه إلى الله تعالى، والتعوذ الصحيح الذي يتفق عليه القلب واللسان، والأفضل أن يرقي الإنسان نفسه بنفسه لأنه لا أحد يشعر بألمه مثله، ولأنه هو صاحب الحاجة من ربه، وهذا يدعوه لأن يكون أشد حرصاً على الإخلاص والتضرع إلى الله تعالى، وإلا التمسها من أهل العلم والصلاح المشهود لهم بالورع.
وأن يحترز الإنسان من إتيان المشعوذين والسحرة والعرافين لطلب العلاج منهم، لعموم النهي الوارد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، دون استثناء إتيانهم لطلب العلاج، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) رواه أبو داود.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البزار. والله تعالى أعلم.
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة