صحة الإنسان في القرآن والسنة

فوزي فاضل الزفزاف
 
من الأقوال السائرة في كتب التُّراث هذه العبارة التي جرت مجرى الأمثال، وهي: النظافة من الإيمان، وينسبها قوم إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو خطأ، وهذه العبارة تعطي مدلولاً واضحًا بالحث على مراعاة قواعد الصِّحَّة، التي من أهمها: النظافة، والاعتدال، والوسطية في كل أمر من أمور حياة الإنسان.
 
فالإنسان النظيف كما يحرص على نظافةِ المأكل والملبس والمسكن، يَحرص على نظافة البيئة، ويَمنع تلوثها، ويراعي قواعِدَ الصِّحَّة في كل ما يتناول ويزاول من الأعمال والأفعال.
 
كما أنَّه من الأقوال السائرة أيضًا، والتي شاعت وانتشرت، وأجمع الناس على صحتها: "العقل السليم في الجسم السليم"، والعقل هو الهبة الإلهية للإنسان الذي كرَّمه الله - سبحانه وتعالى - بها، ومَيَّزه على كثير من مخلوقاته؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
 
ولأهميةِ العقل وجلالة قدره، وسُمُوِّ منزلته ورفعة شأنه، وجه الاهتمام إلى المحافظة على سلامته، وتجنُّب كل ما يُعرِّضه للخلل في أداء وظيفته، أو يعوقه عن أداء مُهمته التي خلقه الله لأدائها، وما دامت سلامته مُرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسلامة الجسم وسلامة صحته، كانت سلامةُ الجسم وسلامةُ صِحَّتِه موضعَ رعاية الإسلام وعنايته، وصحة الإنسان تنقسم نوعين: الصحة الجسمية، والصحة النفسية، وكلاهما محل اهتمام الدين الإسلامي.
 
الصحة الجسمية:
اهتمامُ الإسلام بالصحة الجسمية للإنسان شمل مجالاتٍ كثيرة مُتنوعة، أهمها:
الطهارة:
تبدأ كتب الفقه الإسلامي دائمًا بباب العبادات، وأول هذا الباب باب الطهارة.
 
ومعنى الطهارة في اللغة: النظافة والصيانة عن كل ما هو متقذر ومستقبح، فيقال: فلان طاهر المظهر والهيئة، إذا كان نظيفًا وحسنًا.
 
ومعنى الطهارة في الاصطلاح الشرعي هو:
رفع الحدث وإزالة الخبث، وهذان معًا يوجبان الطهارة؛ ليبقى الإنسانُ سليمَ البدن، منشرحَ الصدر، مرتاحَ الخاطر؛ لأن الذي لا يزول خبثه يظلُّ متكدر النفس، بليد الإحساس، وكأنه يعاني هَمًّا ثقيلاً لا يزول.
 
ولأهمية الطهارة في المحافظة على صحة الإنسان، وسلامته من الأمراض والأوبئة المعدية الفَتَّاكة، التي تنتج عن القذارة وإهمال الطهارة والنظافة؛ نجد أنَّ من أوائل ما نزل من القرآن الكريم سورة المدثر، وتبتدئ بقول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 1 - 5]، فقد دعا النص القرآني الكريم إلى الطهارة الحسية حين قال الله - عز وجل -: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾، وإلى الطهارة المعنوية حين قال الله - عز وجل -: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾؛ لأَنَّ الرجز نَجاسة معنوية تلطخ صاحبها، فيحتاج إلى التطهير.
 
كما وصف الله - سبحانه وتعالى - المؤمنين الذين استقبلوا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – حين هاجر إليها – بالبشر والترحاب، وبنوا له مسجده الشريف، وصفهم الله ومدحهم بحب الطهارة، فقال - عز وجل -: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].
 
الوضوء شرط لصحة الصلاة:
وإذا كانت الصلاة عمادَ الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فقد أوجب الله - عز وجل - على المصلى أن يتوضأ قبل الصلاة، ولا تصح الصلاة من غير وضوء، والوضوء طهارة من الرِّجس، وحفظ لسلامة أعضاء الإنسان؛ يقول الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].
 
وقد أحسن الأستاذ الكبير محمد فريد وجدي – رحمه الله – حين حَلَّل شروط صحة الوضوء وما يلحق الفرائض من السنن فيه في ضوء الآية الكريمة وأحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال:
لما كانت الصلوات خمسًا، كان على كل مسلم ومسلمة أنْ يتوضأ في كُلِّ يوم مَرَّات، والوضوء من أجمع وسائل النظافة، وأعودها على صحة الأبدان بالفوائد الجليلة؛ فقد ثبت أن الأتربة التي تتصاعد في الجو تحتوي على كثير من الأمراض، فيكمُن الغبار في حافتي الجفن، ويصيب العين بالرمد، ويتسرب إلى الأنف والحلق، فيكون سببًا في إصابتهما بالأمراض المختلفة، ويتسرب إلى الأذن، فيُعطل آلةَ السمع إذا لم يُزَل، وتتخلَّل بقايا الأطعمة في الأسنان، فتتولد منها الجراثيم الضارَّة.
 
إذًا الوضوءُ في الإسلام يَقي الإنسانَ من هذه العوارض كلها، فإنَّه يبدأ بغسل اليدين، والمضمضة، وتطهير الأنف باستنشاق الماء ونثره، وبغسل الوجه وفيه العينان، ثم غسل الذِّراعين إلى المرفقين، وهما أقصى ما يَحتمل أن تصل إليه الأوساخ من الخارج، ويَجئ بعده مسحُ الرأس والأذنين وغسل الرجلين، فيتمُّ للإنسان بذلك القيام بعمل صحي يندب إليه؛ مكافحة للأمراض.
 
ولأثر الوضوء في سلامة الأعضاء والمحافظة على صحتها، حثَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - على إحسان تنفيذه، وعلى إدامته، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظافره))، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنَّ أمتي يدْعَون يومَ القيامة غُرًّا مُحَجَّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، فليفعل)).
 
الوضوء علاج للغضب:
من المعلوم أنَّ الإنسان عندما يغضب يحدث له هياج في الجسم، وتوتر في الأعصاب، وذلك يؤثِّر على الحالة الصحية والنفسية للإنسان، وقد تؤدي شِدَّة الغضب إلى أنْ يصاب الإنسان بأمراض قاتلة، أو يفقد أعصابه، فيرتكب جريمة، ويَحتاج الغضبان إلى مدًى طويل حتى تهدأ نوازعه، وتطمئن جوارِحُه، وهنا تظهر عظمة الإسلام عندما يدعو من يغضب إلى أن يقومَ فيتوضأ، فيكون الوضوء (بلسمًا) شافيًا يُزيل آثارَ الغضب؛ حيث ينقل الإنسان من حالة الثورة والهيجان، إلى حالة من الهدوء والسكينة والاطمئنان؛ روي عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الغضب من الشيطان، وإنَّ الشيطان خلق من نار، وإنَّما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ))؛ [رواه أبو داود، وضعفه الألباني].
 
الغسل:
وما يقال عن الوضوء يقال عن الغسل، بل هو أشملُ وأعمُّ؛ لأنه يعم جميعَ الجسم، وقد فرض الإسلام الغسل للتطهر من الجنابة، وثبت في الطب الحديث أنَّ الغسل بعد الاتصال الجنسي يُعيد للإنسان هدوءه، ويشعره بارتياح كان في حاجة إليه.
 
ولإلزام المسلم "الرجل والمرأة" بالغسل من الجنابة؛ حَرَّم الإسلام على المسلم إذا كان جنبًا أن يَمس القرآن الكريم إلاَّ بعد أن يتطهر بالغسل.
 
كما فرض الإسلام الغسلَ على المرأة؛ للتطهر من الحيض والنفاس في نهاية مدتهما.
 
ومما لا شك فيه أنَّ التطهر منهما بالغسل يُزيل الآثارَ النفسية التي تشعر بها المرأة أثناءَ مُدَّة الحيض والنفاس، ويُعيد إليها نشاطَها وحيويَّتها، ولحاجة جسم الإنسان إلى الغسل دائمًا لنظافة جميع أعضاء جسمه؛ حماية له من الأمراض، وإزالة للروائح الكريهة، التي تنبعث من عرقه، كما أنَّ تَجمع الناس في أماكن العبادة إذا لم يتحلوا بالنظافة يكون هذا التجمع سببًا لانتشار الأمراض؛ لأجل ذلك سن الإسلام الغسلَ يومَ الجمعة؛ نظرًا لاجتماع الناس في المسجد لأداء صلاة الجمعة، ولا يستحسن أن يقابل الإنسان أخاه وله رائحة كريهة تنفر الناس منه.
 
وكذلك شرع الإسلام الغسل عند أداء الشعائر المفروضة مثل الإحرام بالحج والوقوف بعرفة، وغسل العيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى، ويقول الله - تعالى -: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، ومن أهم وسائل الزينة نظافة الجسم والملبس.
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة