في ذكرى وفاة إمام الدعاة

بهاء الدين سلام
 
في مثل هذه اليوم تمر علينا الذكرى الثالثة عشرة لوفاة إمام الدعاة العالِم المجدّد الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى، وهو الرجل الذي رحل عن دنيانا يوم 17 حزيران 1998 تاركا خلفه إرثا إسلاميا قيّما لا يزال العالم العربي كله ينهل من معينه حتى يومنا هذا كدلالة واضحة على مدى التأثير الطيب الذي تركه هذا الكبير في نفوس وعقول وفكر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
 
فالشيخ الشعراوي - رحمه الله تعالى - الذي فرّغ حياته كلها لخدمة كتاب الله تعالى لم يكن دخوله مجال الدعوة ميسَّراً أو سهلاً، بل شاقاً وصعباً لأنه جاء في فترة زمنية مليئة بالمشاكل والمصاعب والمعوّقات التي تعترض طريق الدعوة والدعاة والتي قد تصل بصاحبها إلى مرحلة السجن أو حتى الإعدام كما حصل لكثيرين من أبناء عصره، ولكنه رفض الواقع الفاسد والمظلم وانتفض كما عدد من العلماء الثقات معه وراح يظهر للناس مواطن الباطل في الحياة التي يعيشونها حتى لا يكون شاهدا على زور أو بهتان أو فساد أو ظلم أو جهل.
 
التميّز صفته
 
والشيخ الشعراوي - رحمه الله تعالى - في دعوته كان متميّزاً ومجدّداً ومتفرّداً في أسلوبه، فهو دخل مجال الدعوة من خلال خواطره حول آيات القرآن الكريم، وهي ليست تفسيراً وإنما خواطر كما أسماها الشيخ الشعراوي نفسه حيث قال: «خواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيراً للقرآن، وإنما هي هبات صفائية تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو أن القرآن من الممكن أن يفسّر، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره لأنه عليه نزل وبه انفعل وله بُلّغ وبه علّم وعمل وله ظهرت معجزاته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن يبيّن للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبيّن لهم أحكام التكليف في القرآن الكريم...»، وهذا الكلام دلالة على مدى الحرية التي تمتع بها الشعراوي بحيث لم يعتبر كلامه تفسيرا وإنما اجتهاد قد يصيب به ويخطئ..
 
ومن تميّزه أيضا أنه الداعية الوحيد الذي فسّر القرآن الكريم كاملاً تفسيراً صوتياً، وهذا الأمر يُعَدُّ سابقة تميّز بها الشيخ الشعراوي، فهو، ومنذ تفرّغه للدعوة إلى الله تعالى، أدرك أن للإعلام دوراً كبيراً في توجيه المجتمع وتعليم أفراده وزيادة ثقافتهم الدينية، لذلك جاءت اللقاءات الإعلامية التلفزيونية الأسبوعية للشيخ الشعراوي والتي كان من خلالها يلقي بخواطره حول القرآن الكريم، وبالتالي نستطيع أن نقول أنه العالِم أو المفسّر القرآني الوحيد الذي قام بعملية التفسير من خلال إطار شفهي مرئي عبر شاشات التلفزيون في ذلك الوقت، والذي كان له تأثير في زيادة احترام المرجعية الدينية عند المجتمع المصري.
 
لماذا نكتب عن الذكرى؟
 
ولكن يبقى السؤال الأبرز،  لماذا نكتب هذه الكلمات عن رجل أخذ من الدنيا ما كتبه الله تعالى له وأعطاها ما يسّره المولى له؟!
 
طبعا.. لسنا هنا في مجال استعراض للأعمال والفضائل التي قدّمها الراحل الكبير الشيخ الشعراوي لأمته، فهي أمور ليست في يد عبد من عباد الله وإنما هي فقط في علم الخالق وحده، فهو الذي يعلم ما تبدي النفوس وما تخفي وهو سبحانه من سيجازي الناس على أعمالهم.
 
ولكن نقول..
 
إننا في ذكرى رحيل إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي نحتاج وبشدّة إلى دعاة يقولون الحق خالصا للّه تعالى ولا يخشون في الله لومة لائم.
 
ونحتاج إلى دعاة.. أهلّوا عقولهم ونفوسهم وفكرهم للدخول في عالم الدعوة إلى الله فكانوا منارات هدى ومشاعل علم ونور.. لا مراكز إظلام لحساب فلان أو علّان؟!
 
ونحتاج أيضا إلى أناس يبتغون من وراء العمل الدعوي طاعة الله ونصرة دينه ورفعة هذه الأمة، لا طاعة النفوس ونصرة الزعماء ورفعة المناصب والكراسي؟
 
شيخنا الكبير.. رحمك الله تعالى... فما زال كلامك في النفوس حاضرا،وكم نتذكّر مقولتك الرائعة (لا تتكالبوا على الحكم والكراسي... فإنه لن يحكم أحد في أرض الله إلا بمراد الله) ولكن يا ليتهم يفقهون.