الأضحية .. حُكْمٌ وأحكام

 إسماعيل سامي أبو لبده

الحمدُ لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
تُعرّف الأضحية بأنّها: ما يُذبَحُ من بهيمةِ الأنعامِ في يومِ الأضحى إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ تقرُّبًا إلى اللهِ تعالى.

وتعتبر الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، وفيها إحياء لسنة الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام إذ أوحى الله تعالى إليه أن يذبح ولده إسماعيل ثم فداه بكبش فذبحه بدلاً عنه، قال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107]، وهذا يربي المسلم على الصبر والتحمل وامتثال أوامر الله عز وجل والثبات عليها... وفي الأضحية اظهار لشكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج:36-37]، والأضحية تزيد المودة والألفة والمحبة بين المسلمين، وفيها توسعة على النفس والأهل والأقارب والجيران والفقراء..
مشروعيّة الأضحيّة من القرآن والسنة:
قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر:٢]
روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شيءٍ).
وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ضَحَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.
حكم الأضحية :
ذهب جُمهور العلماء إلى أنَّ الأضحية سنّة مؤكدة ومن الأدلة على ذلك : -
الأدلة من السنة:
1- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دخَلَت العَشْرُ، وأراد أحَدُكم أن يضَحِّيَ؛ فلا يَمَسَّ مِن شَعَرِه وبَشَرِه شيئًا)) رواه مسلم..
قال الشافعي: في هذا الحديثِ دَلالةٌ على أنَّ الأضحية ليست بواجبةٍ؛ لقولِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فأراد أحَدُكم أن يضَحِّيَ)) ولو كانت الأضحية واجبةً أشبَهَ أن يقول: فلا يَمَسَّ من شَعْرِه حتى يضَحِّيَ. ((معَرَفة السنن والآثار))، ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/ 355 رقم 973)، ((المغني)) لابن قُدامة (9/ 436).
2_ ما روى جابر بن عبدالله رضي الله عنه (شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الأَضْحَى بالمُصَلَّى، فَلَمّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وَأُتِـيَ بِكَبْشٍ، فَذَبَحَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ: بِسْمِ الله، واللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَم يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي) [رواه أحمد وأبوداود والترمذي وصححه الألباني].
يقول الإمام الشوكاني رحمه الله في بيان وجه الدلالة من هذا الحديث وما في معناه: «الظاهر أن تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته وعن أهله، تجزئ كل من لم يضح، سواء كان متمكناً من الأضحية أو غير متمكن» [نيل الأوطار].
الأدلة من الآثار :
فقد صح عن أبي بكر وعمر وغيرهما أنهم كانوا لا يضحون، كراهية أن يظن الناس وجوبها.
عن أبي سريحة الغفاري وهو- حذيفة بن أسيد- رضي الله عنه ، قال: أدركت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، كانا لا يضحيان، في بعض حديثهم: كراهية أن يقتدى بهما [أخرجه البيهقي وصححه الألباني في الإرواء]
شروط الأضحية
1- أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام؛ وهي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ..
قال تعالى:(( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)) [الحج: 28]
2- أن تكونَ قد بلغَتِ السِّنَّ المُعتَبَرة شَرعًا..
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَذبَحوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أنْ يَعْسُرَ عليكم، فتذبَحوا جَذَعةً مِنَ الضَّأنِ ) رواه مسلم
والمُسِنَّة: هي الثَّنِيَّة فما فوقها من كل شيء من الإبل والبقر والغنم. [شرح النووي لصحيح مسلم]
قال النووي: (أجمعت الأمَّةُ على أنَّه لا يُجزِئُ مِنَ الإبلِ والبقَرِ والمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ، ولا مِنَ الضَّأْنِ إلَّا الجَذَعُ) (المجموع)
الثَّنِيُّ عند الحنفية والحنابلة مِنَ الإبِلِ ما أتمَّ خَمْسَ سنينَ، ومِنَ البَقَرِ ما أتمَّ سَنتينِ، ومِنَ المَعْزِ ما أتمَّ سَنَةً، والجَذَعُ عندهم مِنَ الضَّأنِ ما أتمَّ سِتَّةَ أشْهُر
واختار ابنُ عثيمين هذا القول وأفتت به اللجنة الدائمة..
3- سلامة الأضحية من العيوب المانعة من صحتها :
والعيوب التي تمنع من إجزاء الأضحية أربعة؛ وردت السنة ببيانها؛ كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ لا تُجْزِئُ في الأَضَاحِي: العَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُها، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُها، والعَرْجَاءُ البَيِّنُ ضَلْعُها، وَالكَسِيرُ الَّتِي لا تُنْقِي) [رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني].
يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله : «أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها، لا أعلم خلافاً بين العلماء فيها، ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها، ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز فالعمياء أحرى ألا تجوز، وإذا لم تجز العرجاء، فالمقطوعة الرِّجلِ أو التي لا رِجْلَ لها المقعدة أحرى ألا تجوز، وهذا كله واضح لا خلاف فيه، والحمد لله»[التمهيد (20/168)]
4- أن تكون مملوكة من قبل المضحي، فلا يصحّ التّضحية بما لا يملكه كالمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة؛ لأنّه لا يصح التّقرب إلى الله عزّو جلّ بمعصيته.
5-وقت الذبح:-
يبدأ وقت الذبح بعد صلاة العيد ويستمر إلى غروب ثالث أيام التشريق..
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ، فقال: ((إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ)) رواه البخاري ومسلم.
عن جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((كلُّ مِنًى منحَرٌ، وكلُّ أيَّامِ التَّشريقِ ذَبْحٌ)) رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني.
ويستحبّ ذبجها بعد الفراغ من صلاةِ العيد؛ لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شيءٍ).رواه البخاري ...
6- نيّة التّضحية : يشترط على المضحّي أن ينوي بها التّضحية ، وهذا باتفاق المذاهب الفقهيّة الأربعة..
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّياتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى)) متفق عليه.
مسائل متفرقة :
-يستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح ، لأن الذبح قربة وعبادة ، ويجوز له أن ينيب عنه غيره، إذا كان النائب مسلمًا، وهذا باتفاق المذاهب الفقهيّة .
- تجزئ الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته وإن كثروا ، إذا كانوا في بيت واحد، لحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال : كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون رواه الترمذي وصححه الألباني.
لا يصحّ أن يشترك اثنان أو أكثر في الأضحية من الغنم ...أمّا بالنسبة للبعير والبقر فيمكن لسبعة أن يشتركوا في بقرة أو بعير ،ودليل الاشتراك في البقر والإبل ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال: (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ) [رواه مسلم].
-لا يجوز أن يعطى الجزار شيئاً منها في مقابل أجرته، لحديث عليٍّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره ألاَّ يعطي في جزارتها شيئاً كما عند البخاري...قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا . قَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا .
- يجوزُ للمُضَحِّي أن يأكُلَ من أضحِيَّتِه ويَطعَمَ ويدَّخِرَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة.
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه نهى عن أكْلِ لُحومِ الضَّحايا بعد ثلاثٍ، ثم قال بعدُ: كُلُوا، وتَزَوَّدوا، وادَّخِروا)) رواه مسلم
آداب التّضحية وسننها :
وينبغي أن يراعي المضحي آداب الذبح كالإحسان إلى الذبيحة وإراحتها ، وأن يستقبل القبلة ، وأن يحدّ الشّفرة، ويستر السكين عن البهيمة عند حدّها فلا تراها إلا عند الذّبح ، وألا يذبح بهيمة أمام الأخرى...
عن شدَّاد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحةَ، ولْيُحدَّ أحدكم شفرتَه، ولْيُرِحْ ذبيحتَه))؛ رواه مسلم، وعن ابن عباس قال: مر النبيُّ عليه الصلاة والسلام على رجل واضعٍ رِجلَه على صفحة شاة، وهو يحد شفرتَه، وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: ((أفلا قبلَ هذا، أتريد أن تميتَها موتتَيْنِ؟!))؛ أخرجه الطّبراني وصححه الألباني...
الإبل تنحر قائمة :قال الله تعالى:( فاذكروا اسم الله عليها صواف) ، قال البخاري: قال ابن عباس: صواف: قياما. البخاري تعليقا، وعن أنس رضي الله عنه (( أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بيده سبع بُدْنٍ قياما...)). البخاري(1712).
والسنة لمن أراد أن يذبح الأضحية أن يقول عند الذبح :بسم الله ، والله أكبر ، اللهم هذا منك ولك ، هذا عني ( وإن كان يذبح أضحية غيره قال : هذا عن فلان ) اللهم تقبل من فلان وآل فلان (ويسمي نفسه).
تقبّل الله منّا ومنكم صالح الأعمال
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.