ذكرى فتح مكة

السوسنة - إسلام حنفية - شهر رمضان المبارك شهر الإنجاز بلا منازع في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة، والقادة والفاتحين من الأمة الإسلامية على مر العصور، فالكثير من الأحداث المهمة في تاريخ الأمة الإسلامية حدثت في شهر رمضان، ومن أمثال هذه الأحداث غزوة بدر، وفتح مكة ومعركة القادسية وفتح بلاد الأندلس ومعركة زلاقة في فتوحات الأندلس، ومعركة عين جالوت، ومعركة حطين.
في هذا المقال سنتحدث عن واحد من أهم الأحداث التي غيرت تاريخ الأمة الإسلامية، والذي حدث في العاشر من رمضان في السنة الثامنة للهجرة، ألا وهو فتح مكة.


- التحضير لفتح مكة:
  قد يظن البعض أن فتح مكة جاء بشكل عفوي عندما نقضت قريش صلح الحديبية، فرد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهاجمة مكة، وعندها حصل الفتح، ولكن القاريء لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم سيجد أنه كان يسعى لفتح مكة، ويعد العدة لذلك منذ غزوة الخندق التي حصلت في السنة الخامسة للهجرة، حين قال صلى الله عليه وسلم مقولته الشهيرة: "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا".
- تفكك الأحزاب:
بعد غزوة الخندق أو الأحزاب تفكك تحالف المشركين واليهود، حيث ثبتت هشاشته، وثبت أن مثل هذا التحالف لن يحصل مرة أخرى أبداً، وفي السنوات الثلاث التي تفصل بين غزوة الخندق وفتح مكة حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبائل اليهود التي كانت قد تجمعت في خيبر، وهزمهم وفتح حصونهم واقتلع وجودهم من الجزيرة العربية بأسرها.
أما بالنسبة لقبائل العرب، فقد أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرصة ليستمعوا إلى دعوة الإسلام، ويختاروا بأنفسهم أن يؤمنوا أو يكفروا، وذلك لأنه يعرف أن فيهم من توافق طبيعته وفطرته دعوة الإسلام، وأنهم من الممكن أن يؤمنوا إذا سمعوا دعوة الإسلام دون وجود ما يهددهم، أو يعيق وصولها إليهم، على العكس من اليهود الذين لم يؤمنوا مع أنهم أهل كتاب، ومع أنهم يعلمون بحقيقة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته.

- صلح الحديبية:
 جاء صلح الحديبية الذي أبرم بين المسلمين وقريش في السنة السادسة للهجرة، فرصة للمسلمين ليتمكنوا من إيصال دعوتهم إلى جميع قبائل العرب، فقد كان من أهم بنود هذه المعاهدة أنها تضمن للقبائل العربية حرية الاختيار في أن تحالف قريش أو تحالف المسلمين، وبهذا قوي المسلمون، واتسعت رقعة نفوذهم، وذلك بدخول العديد من قبائل العرب في حلفهم، وهذا ما أضعف قريش وجعل قوتها ونفوذها ينحصران في مكة وحدها، وفي ذلك الوقت أصبح المسلمون جاهزين لفتح مكة.

- وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعهد، والفرصة المنتظرة:
أن أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجود اليهود في الجزيرة العربية، وتمكن من عرض الإسلام على مختلف قبائل العرب، ودخل في الإسلام كل من رغب في ذلك، حتى أن بعضاً من قادة قريش دخلوا في الإسلام مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، وبذلك أصبح المسلمون جاهزين تماماً للتوجه إلى مكة وضمها إلى حياض المسلمين، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ليهاجم مكة ، وما كان لينقض عهده مع قريش، ولكن حدث فجأة مالم يكن يتوقعه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، إذ نكثت قريش العهد، وأعانت إحدى القبائل التي كانت في حلفها وهي قبيلة بكر على قتل عدد من الأفراد من قبيلة خزاعة، وهي قبيلة كانت في حلف المسلمين، فنكثت قريش بذلك عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا كانت الفرصة التي انتظرها رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا.


- الفتح المبين:
خرج بجيش قوامه عشرة آلاف مقاتل إلى مكة فاتحين، وكان ذلك في العاشر من رمضان، ولما قارب رسول الله صلى الله عليه وسلم على دخول مكة، جاء أبو سفيان ليستطلع الأخبار، فلقيه العباس رضي الله عنه ونصحه بأن يسلم، وأدخله على رسول الله فأعلن إسلامه، وأكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال:"من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن".
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بجيش المسلمين، من جميع الجهات بعد أن قسمه إلى كتائب وحدد لكل كتيبة طريقها، تحسباً لأي مواجهة أو قتال، ودخلت جميع الكتائب مكة دون أن ترفع سيفاً أو تسفك دماً، إلا كتيبة خالد بن الوليد رضي الله عنه، والتي واجهت بعضا من رجال قريش الذين أبوا إلا أن يقاتلوا، ولكنهم سرعان ما انهزموا، وقتل منهم أنذاك إثنا عشر مشركاً، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مكة متواضعين لله ، شاكرين على هذا النصر الذي أكرمهم به، وكان ذلك في العشرين من رمضان من العام الثامن للهجرة، ولم يوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عقوبة بأهل مكة بالمجمل، وإنما حدد أسماء تسعة من كبار المجرمين في مكة وأهدر دمائهم، وأما ما تبقى من أهل مكة فلم ينتقم منهم على ما فعلوه بالمسلمين حين طردوهم منها، فلم يخرجهم من بيوتهم، ولم يعذبهم، بل سامحهم قائلاً: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ليكون الفتح المبين فتحاً لمكة وقلوب أهلها.


 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة