السوسنة - عندما قتل الخبيب بن عدي- رضي الله عنه -اثنين من الكفار في غزوة بدر التي شهدها مع الرسول- صلى الله عليه وسلم - وعدت احدى زوجاتهما بالانتقام لزوجها ونذرت أن تصب الخمر في رأس الخبيب وتشربه ، ووضعت جائزة ومكافئة لمن يحضره لها .
وفي حادثة بئر معونة عندما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا من بني عامر ، وعرض عليه النبي الإسلام ؛ فأبى ذلك ، واقترح على رسول الله أن يبعث رجالا من أصحابه إلى أهل نجد حتى يدعوهم للإسلام ، لعلهم يستجيبوا، فأرسل النبي سبعين من حفظة كتاب الله ومن الصحب الكرام ، لكن احتال الكفار على ثلاثة منهم ، وكان من ضمنهم خبيب بن عدي ، فقتل هؤلاء الكفار الاثنين وربطوا خبيب ، وأخذوه معهم إلى مكة المكرمة ، قاصدين بيعه للمرأة التي قتل خبيب زوجها .
فربطوه بالسلاسل حتى انقضاء الأشهر الحرم ، واحتجزوه في خيمة لرجل يسكن وزوجته وابنه الصغير، وأمروا سكان البيت بالحرص والتيقظ حفاظا عليه ، حتى انتهاء الأشهر الحرم، وتقول زوجته صاحب البيت أنها كانت تدخل على خبيب بن عدي الحجرة في أيام برد الشتاء ؛ فتجد في يده العنب ، ومكة كلها لا يوجد بها حبة عنب واحدة، وتقول أيضا أنها تدخل عليه ثانية وتجد عنده طعاما آخر ، و في ثالتة تجد طعاما غيره.
فزت ورب الكعبة .. من الصحابي الذي قالها ولماذا ؟
وبعد انقضاء الأشهر الحرم ، وقبل أن يقتل خبيب بيومين أو ثلاثة طلب من صاحبة البيت أن تعطيه موسا، فسألته عن سبب حاجته له، وأوضح لها خبيب أنه يود أن يقوم بسنن الفطرة ؛ من قص الأظافر ، وتهذيب الشارب ، وحلق الشعر ، وإزالة شعرالإبط ، ..إلخ ، قبل موته .
فما لبثت إلا أن أحضرت له الموس ، ثم رأت بعد برهة أن ابنها الصغير اقترب من خبيب ويجلس على حجره وهو يحلق ، فخافت أن يقتل خبيب ولدها، فرآها خبيب وطمأنها بقوله أن من يخاف الله لا يفعل هذا ، وأرسل الغلام لتأخذه أمه ولا تقلق بشأنه، ثم اصطحبوا خبيب بن عدي وخرجوا به خارج مكة وعلقوا جسده على شجرة وربطوه فيها ، وجمعوا بعدها كل رجال قريش ليشهدوا مقتله، واقترح أبو سفيان أن يضربوه ويعذبوه .
وبدأوا من فورهم بضربه ، وخبيب رافع الرأس لا ينحني ، فاستحلف أبو سفيان خبيبا بالله ، أيحب أن يكون محمد مكانه الآن، فأجابه بأن لا يحب أن يكون رسول الله في بيته ، ويشاك بشوكة، فأقر أبو سفيان بعدها أن لم يرى في حياته أحدا يحب أحدا ؛ كحب أصحاب محمد لمحمد أبدا، ثم أُعطى لخبيب فرصة أن يطلب شيئا قبل قتله ، فطلب أن يصلي ركعتين .
فانزلوه وحققوا له مطلبه . وصلى ركعتان خفيفتان ، ثم قال : لولا أن تظنوا أني أخاف الموت لأطلت صلاتي ما شاء الله لي أن أطيل، وأعادوه ربطه وتعليقه ، فانطلق لسان خبيب قائلا أنه لا يبالي حينما يقتل مسلما ، وأطرق يدعو الله بأعلى صوته: "اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا"، فسارع أبو سفيان يأمر قريشا أن ينبطحوا أرضا ، لئلا تصيبكم دعوته .
فأصبح بذلك خبيب هو الوحيد رافعا رأسه ، وكلهم منبطحين على الأرض . فضحك خبيب ودعا الله أن يصل هذا لرسول الله، فينزل جبريل من السماء ويخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما حدث لخبيب بن عدي في لحظات قتله، فأمر النبي واحدا من الصحابة الكرام أن يذهب مسرعا إلى مكة ويحضر جثة خبيب بن عدي .
والصحابي انطلق ليصل مكة والدنيا قد أظلمت ، فصعد إلى النخلة التي ربط عليها خبيب ، وكان خائفا أن يراه أحدا من المشركين فيقتله . وفك الوثاق عن جثة خبيب لينزل به عن النخلة ، فوقعت الجثة ، ونزل الصحابي يبحث عنه فلم يجده، وبقي يبحث دون جدوى ، ولا يريد الرجوع إلى رسول الله خالي اليدين ؛ فانتظر الصباح، وعندما طلع ضوء الصبح لم يجد الجثة ، فرجع للنبي - صلى الله عليه وسلم - حزينا لأنه لم ينجز مهمته ، ولما دخل ابتسم النبي له وقال : " لا عليك دفنته الملائكة " .