شرح حديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده

السوسنة - روى هذا الحديث الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد أورده الإمام مسلم في كتابه (صحيح مسلم)، ولذا فهو حديث صحيح.

عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . رواه مسلم . 


 أهمية الحديث الشريف:
يعد هذا الحديث من قواعد الدين، فهو يبين وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويبين مراتب إنكار المنكر وتدرجها حسب الإستطاعة. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعدان ميزة لهذه الأمة يعطيانها الأفضلية على بقية الأمم، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) " آل عمران : 110

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما صمام الأمان الذي يحفظ المجتمع من الإنحطاط والإنحدار نحو الرذائل، لذلك وجب علينا كمسلمين تعلم ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعرفة الشروط والطريقة الصحيحة لأداء هذا الواجب في مختلف الظروف، وهنا تكمن أهمية هذا الحديث الشريف.

شرح الحديث الشريف:
- " من رأى منكم منكراً" :  لا يشترط في الرؤية هنا أن تكون بالعين، "فرأى" قد تفيد المعاينة (الرؤية بالعين) وقد تفيد الرؤية القلبية (وهي العلم بالشيء) ومن هنا نرى أن وجوب إنكار المنكر لا يقتصر على رؤية المنكر رأي العين، وإنما العلم اليقيني بوجود هذا المنكر حتى لو لم نراه يستوجب منا أن ننكره.

- "فليغيره بيده" :  المرتبة الأولى في إنكار المنكر:  التغيير باليد، وهذه المرتبة واجبة ولا تجزأ عنها المراتب الأخرى ما دام الشخص يستطيع القيام بها، فمثلاً الشخص المسؤول في مكان معين والذي له الكلمة الأولى في هذا المكان، لا يقبل منه أن ينكر المنكر بلسانه أو قلبه، بل إنه الشخص الأولى بأن يقوم بالتغيير الجذري للمنكر، لأنه من يملك القرار الأول والأخير في هذا المكان، وهذا مثاله الأب والأم في البيت، أو المعلم في الصف، أو المدير في المؤسسة، أو المختار في الحي، أو الحاكم في الدولة، جميع هؤلاء هم المسؤولون المباشرون عن تغيير المنكر بأيديهم إذا حدث في محيطهم، لأن لديهم القوة والسلطة لفعل ذلك، وبالطبع فهذا لا ينفي وجوب تغيير المنكر باليد على أي شخص قادر على فعل ذلك سواء أكان مسؤولاً مباشراً أو شخصاً عادياً.

- ماذا لو رأى المنكر مجموعة من الناس؟ هل يجب عليهم جميعاً التدخل لتغييره؟
تغيير المنكر باليد واجب في الشرع على الكفاية، أي أنه إذا قام به شخص فإنه يكفي الباقين، ولا يجب عليهم التدخل جميعاً، فمثلاً لو أن طفلاً كان يعذب حيواناً في الشارع، وكان هناك عدد من الناس يمرون في المكان، فإن إيقاف هذا التعذيب وإنقاذ الحيوان وتأديب الطفل يكون واجباً على جميع من رآه، حتى يقوم به أحدهم، فإن قام به، سقط عن الباقين ولم يجب عليهم التدخل.

- ماذا لو رأى شخص المنكر وحده؟
في هذه الحالة، فإن تغيير المنكر واجب على من رآه، بحسب استطاعته، وقدرته، إما بيده أو بلسانه، أو بقلبه، كما سيأتي في شرح بقية الحديث الشريف.

- "فإن لم يستطع فبلسانه" : إن لم يستطع الشخص تغيير المنكر بيده لأن فاعل هذا المنكر أقوى منه، أو أكثر سلطة منه، فإن عليه أن يغير المنكر بلسانه، كأن يعظه ويبين له سوء ما يفعل وجزاؤه عند الله، وينصحه بالكلمة الطيبة، أو أن ينتقل للتبليغ عنه لمن هو أقوى منه ليتم إجباره على التوقف عن فعل المنكر، كأن يرى شخص ما شخصاً مسلحاً يعتدي على شخص ضعيف أعزل، فهنا لا يجب على الشخص التدخل بيده، لأنه لا يستطيع أن يواجه هذا الشخص المسلح، وإنما يكفيه أن يبلغ الشرطة ويجمع الناس بالصراخ والنداء بصوت عالٍ لإخافة المعتدي وهذا كله من تغيير المنكر باللسان.

- " فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" : فإن لم يستطع الشخص تغيير المنكر بلسانه، خوفاً من التسبب بفتنة أكبر من المنكر الحاصل، أو لعدم المقدرة على تغيير المنكر حتى باللسان بسبب قوة وبطش وتجبر من يرتكب المنكر، وعندها فإن عليه أن ينكره في قلبه، ويعزم على تغييره بيده أو لسانه عند استطاعته ذلك.


- " وذلك أضعف الإيمان" :  أي أن هذا أقل شيء يمكنه فعله لحفظ إيمانه و الثبات على مبادئه، فهذه اللحظة بالذات هي اللحظة التي يتحول فيها المنكر لدى الكثير من الناس إلى أمر عادي مألوف ومقبول، فتعتاد عيونهم المعصية وتألفها قلوبهم، فلا تنكرها.

المصادر : 

الموقع الاسلامي : اسلام ويب
الموقع الرسمي للشيخ النابلسي 

 

 





آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة