شرح الحديث النبوي .. لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ

السوسنة - رَوى هذا الحديث الشريف ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصف موقف الحساب يوم القيامة ويتحدث عن أربعة أمور مهمة لا بد أن يسأل عنها الإنسان، ولا يمكن أن ينتهي حسابه دون أن يسأل عنها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  “لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ “.

شرح الحديث:

هناك أربعة أمور لا بد أن يسأل كل إنسان في حساب يوم القيامة عنها، وهي:


عمره: 
"عَن عُمُرِه فيما أفناهُ" يسأل الإنسان عن كل ثانية من عمره منذ أن بلغ سن التكليف وحتى وفاته، فيسأل عن كل أعماله، هل أدى ما فرض الله عليه؟ وكم من أعماله من الطاعات وكم منها من المعاصي، فإن كان ممن استقام وأطاع الله وأدى ما فرض عليه، وغلبت حسناته سيئاته كان من الناجين بفضل الله ورحمته، وإن كان ممن أضاع عمره في الشهوات والمعاصي ولم يؤد ما كتب الله عليه من الفرائض، وغلبت سيئاته حسناته، كان من الهالكين والعياذ بالله.


جسده:
"وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ" يسأل الإنسان عن صحته وشبابه، فيما قضاهما وفيما استغلهما، هل استغلهما في العبادة من صوم وصلاة وأداء واجبه في عمارة الأرض؟

أم أنه استغلهما في المعاصي والشهوات وأفسد صحته بالمسكرات والمخدرات غيرها من السموم الضارة التي تنهك الجسم وتفسده؟

ويسأل عن قوته فيما استخدمها، هل استخدمها في مساعدة الناس وقضاء حوائجهم؟ أم استخدمها للتسلط على الضعفاء وإخافتهم وظلمهم وأخذ حقوقهم؟
علمه:
" وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ" يسأل الإنسان عن كل ما تعلم من العلم الديني والدنيوي

فيسأل عن العلم الديني المفروض، هل حرص على أن يتعلم الأمور الأساسية في دينه والتي تعرفه كيف يعبد الله عبادة صحيحة كما أمره؟

 وبعد أن تعلم هذه الأمور، هل قام بالعمل وفقاً لها؟  (هل عمل بما علم؟)

وهل علَّم ما تعلم للناس من حوله؟ وأعانهم على تصحيح عباداتهم إن وجدهم على خطأ؟

أما عن العلم الدنيوي فيُسأل الإنسان إن كان قد تعلم العلم المفيد، أم أشغل نفسه بتوافه الأمور حتى شغلت أغلب وقته وألهته عن القيام بما فرض الله عليه، ( كأن يلهيه تعلم أمر تافه لا نفع فيه عن أداء الصلاة، فعندها يأثم على هذا العلم )، كما يسأل عما إذا كان قد استخدم علمه المفيد في منفعة الناس أم في مضرتهم، ويسأل إن كان قد نشر علمه لينتفع به الآخرون، أم احتكره لنفسه.

وفي النهاية فإن الإنسان يسأل عن كل علم تعلمه في الدنيا مهما كان.

ماله:
"وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ" وهذا السؤال هو أشد سؤال على الإنسان ففيه الكثير من الأمور التي ربما عاش الإنسان حياته غير مكترث لها، لكنه سيسأل عن دقائقها وتفاصيلها يوم القيامة، فهو سيسأل عن كل مصدر اكتسب منه رزقه، هل كان حلالا خالصا لا شبهة فيه؟ أم أن الحرام خالطه؟

كما سيسأل عن كل مكان وضع ماله فيه (كيف أنفق ماله) هل أنفقه في الحلال والمباحات والطاعات؟ أم أنفقه على المحرمات وارتكب به الكثير من المعاصي
والناس عادة فيما يخص المال أربعة أصناف:
- فمن الناس من يكسب المال من الحلال وينفقه في الحلال فهو ناج بإذن الله

- ومنهم من يكسبه من الحلال وينفقه في الحرام، فهو هالك

- ومنهم من يكسبه من الحرام وينفقه كيفما شاء سواء في حلال أو حرام، فهو هالك لا محالة.

- ومنهم من يكسبه من الحلال وينفقه في الطاعات رياءً للناس، فهذا أيضا هالك والعياذ بالله.

لطيفة: هذه الأسئلة الأربعة لعموم البشر، أما الأنبياء فسؤالهم مختلف، فهم لا يسألون عن هذه الأمور، وإنما يُسألون عن تبليغ رسالتهم، وهذا السؤال ليس للحساب، وإنما هو تشريف لهم وإقامة للحجة على من كفر بهم.


المصادر: موقع اسلام ويب 
كتاب رياض الصالحين

دار الفتوى – المجلس الإسلامي الأعلى في أستراليا
الشيخ محمد صالح المنجد