شرح الحديث النبوي كل عمل ابن آدم له إلا الصيام

السوسنة - روي هذا الحديث في صحيح البخاري عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من الأحاديث التي اشتملت على قسمين قسم قدسي يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل، وقسم نبوي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كسائر الأحاديث النبوية الشريفة. 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه".

أهمية الحديث:
بين هذا الحديث الشريف أهمية الصيام ومكانته عند الله تعالى، والخصوصية التي يتمتع بها عن العبادات الأخرى، ويشير إلى أن الصيام وقاية للمسلم من الوقوع في الذنوب، وبين منزلة الصائمين عند الله تعالى، والفرحتين اللتين أعطاهما لهم في الدنيا والآخرة.

شرح الحديث:
- " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به"

قال العلماء في تفسير هذه العبارة:"كل عمل ابن آدم له"، إن كل أعمال الإنسان معرضة لنفاد حسناتها يوم القيامة بالقصاص، حيث يأخُذ من حسنات الإنسان كل من لهم حق عليه، وذلك حتى يستوفوا حقوقهم التي ترتبت عليه في الدنيا، لأنه آذاهم بالضرب أو الشتم أو السرقة، أو أخذ أموالهم بالباطل، وغيرها،  وفي هذا الموقف تكون حسنات كل الأعمال الصالحة معرضة للقصاص، إلا أجر الصيام، فإن الله يحفظه لصاحبه، ولا يسلط عليه الغرماء.


وللعلماء في تفسير "فإنه لي وأنا أجزي به" عدة أقوال، ومنها:
* إن الصوم أوجب للإخلاص وأبعد عن الرياء، لأنه ليس عبادة ظاهرة للعيان.

* إن أجور الأعمال الأخرى قد كشفت للناس وهي تضعّف من عشرة أضعاف إلى سبعمئة ضعف، إلا الصيام، فإن الله وحده هو من يعلم مقدار تضعيف حسناته، وهو يثيب عليه بغير تقدير.

* إنه أحب العبادات إلى الله، وأن الإضافة في " فإنه لي" إضافة تشريف لهذه العبادة.

* إن الاستغناء عن الطعام والشراب والشهوات من صفات الله تعالى، ولذا كانت هذه العبادة مختلفة عن غيرها من العبادات الأخرى، حيث أن العبد يتقرب إلى الله في هذه العبادة بالتشبه بصفاته، ولذلك أضاف الله الصيام إلى نفسه فقال "فإنه لي".

* إن الصيام عبادة لم يعبد بها غير الله تعالى، وذلك بخلاف الصلاة والصدقات، فهي عبادات يؤديها من يعبدون غير الله لآلهتهم.

* إن الصوم لا يظهر للحفظة (الملائكة التي تكتب الأعمال) فلا يكتبونه كما يكتبون سائر الأعمال، ولذا يكون جزاؤه عند الله تعالى.

- "والصيام جنّة":
أي إن الصيام حماية ووقاية لصاحبه من الذنوب والمعاصي، ومن نار جهنم، وذلك لأنه امتناع عن الشهوات التي حفت النار بها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" رواه مسلم.

- "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم":

هنا يبين الحديث الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الصائم، فينهاه عن الرفث، وهو الكلام الفاحش البذيء، وينهاه عن الصخب، وهو الصراخ ورفع الصوت والسفه في القول أو الفعل، فالمسلم الصائم، يهذبه الصوم ويكسبه الوقار، فإن جهل عليه أحد فسبه أو شتمه، فليعرض عنه، وليقل إني صائم، أي إن صومي يمنعني أن أقابلك بالمثل.

- " والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك":
المسك من أطيب الروائح عند الناس، ولذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا العطر الجميل، ليبين أن رائحة فم الصائم التي تنتج عن امتناعه عن الأكل والشراب ليست رائحة كريهة عند الله، بل هي أحب إليه وأطيب عنده من رائحة المسك عند البشر، وهذا حثٌ للناس على مخالطة الصائم، وعدم كراهة مجالسته بسبب رائحة فمه التي ما كانت إلا من طاعة. 


- "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه":
كافأ الله الصائم بفرحتين: فرحة عند فطره، بأن الله أنعم عليه وأعانه على هذه العبادة، ثم أنعم عليه مرة أخرى بأن رزقه ما يسد جوعه ويروي عطشه، وأباح له كل ما كان محرماً عليه في صومه، وأما الفرحة الثانية، فهي الفرحة عند لقاء ربه، وذلك لعظم الأجر الذي سيجزيه به يوم القيامة، وهو أحوج ما يكون للحسنة والحسنتين، فيفرح به فرحاً شديداً، ثم ينادى عليه من ضمن الصائمين، فيقال أين الصائمون، فيخصون بباب للجنة لا يدخله سواهم، وهو باب الريان.

المصادر : الموقع الرسمي للشيخ الدكتور صالح بن فواز بن عبدالله الفوزان .

الموقع الاسلامي اسلام ويب

 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة