الدعاء في رمضان - الدكتور أحمد الحسنات

الحمد لله الذي وفق عباده للصيام وتلاوة القرآن، والصلاة والسلام الدائمان الأتمان على خير ولد عدنان، سيدنا محمد من خصه الله تعالى بالقرآن وفضله على جميع الأكوان، وعلى آله وصحابته الغر الكرام.
 
نعيش هذه الأيام المعدودات المباركات فرحة رمضان الذي أنعم الله تعالى به علينا، وجعل صومه فريضة تزكو بها نفوسنا، وقيامه تطوعاً تُرفع به درجاتنا، هذا الشهر الذي اختصه الله تعالى من بين بقية الشهور، وجعل له مزايا يتميز بها على كل الأزمنة، جعله الله تعالى موسماً للطاعات والقربات، فجعل الفريضة فيه بأجر سبعين فريضة، والنافلة فيه بأجر الفريضة، من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر له ذنبه وفاز بالحظّ الأوفى.
 
في شهر رمضان يقبل الناس على ربهم فيعود العاصي إلى الطاعة، ويزداد المطيع بالطاعات والقربات، وتفتح فيه أبواب السماء لإجابة الدعاء، فليس عجباً أن يذكر الله تعالى آيات الدعاء بين آيات الصيام، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة/186.
 
فالمسلم بالصيام يتشبه بملائكة الرحمن، فتصفو نفسه وتزكو من أدرانها، فيلين قلبه ويخضع لربه، ويلهم لسانه بالدعاء لله تعالى، وعندئذٍ يكون قريباً من ربه ذاك القرب المعنوي الذي لا يعرف لذته إلا من سجد قلبه لله تعالى قبل أن يسجد بدنه، فيشعر المسلم بالعبودية الخالصة لله تعالى، ويشعر بربوبية الله تعالى صاحب العظمة والكبرياء والعزة والجبروت، فيعلم بذلك عظمة الخالق بالانكسار إليه، وبالضعف الذي يعيشه الصائم فيُشعره بقوة الله تعالى، وعندئذٍ تتحقق فيه العبودية الخالصة التي تكون سبباً لإجابة الدعاء والقرب من الله تعالى، فقد قال سبحانه: (أنا عند المنكسرة قلوبهم)، وقال تعالى: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما، قذفته في النار) سنن أبي داود.
 
من هنا؛ ندرك سرّ إجابة الدعاء في رمضان، وأسباب تأخر الإجابة في غيره، فالمسلم حينما يدعو الله تعالى بقلب خاضع منكسر متذلل لله يجد الله تعالى له مجيباً، ولكنه عندما يسأل الله تعالى وهو متكبر متعجرف يظنّ نفسه يستحق الإجابة ويتألى على الله تعالى، فالله تعالى يردّه ويتركه لنفسه وهواها وشهوته وما غواها، فقد ورد في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدث "أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك" صحيح مسلم.
 
وبذلك يكون الصيام من أرجى أسباب قبول الدعوات، ومن هنا جاء حثّ النبي صلى الله عليه وسلم الصائم على الدعاء قبل فطره، فقال: (لِلصَّائِمِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ) مسند أبي داود الطيالسي. وختم النبيّ صلى الله عليه وسلم صيامنا بالدعاء الذي سنه لنا عند الإفطار: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) سنن أبي داود، فعلى العبد أن يتذكر وهو صائم قربه من الله تعالى، وأن دعاءه في هذه اللحظات مستجاب، فيلجأ إلى الله تعالى بالدعاء لنفسه فيما يريده من مرغوبات الدنيا والآخرة، ولا ينسى إخوانه المؤمنين فيدعو لعباد الله تعالى ويدعو لأمته بالعزة والنصر والتمكين، لعل الله تعالى يستجيب له فيرفع عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم البلاء والابتلاء وتسلط الأعداء، ويتحقق وعد الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة/ 186، نسأل الله تعالى أن يحقق رجاءنا ويقبل دعائنا ويقيل عثراتنا، ويحسن لنا الختام، إنه نعم السميع المجيب.