سمات الانسان المسلم بحق ج2

السوسنة - نستكمل الجزء الثاني من القسم الرابع والذي جاء تحت عنوان "سمات الانسان المسلم بحق" لإستاذ الإعلام في جامعة اليرموك، والأمين العام للمجمع الدولي لإعادة بناء الفكر الإسلامي، الأستاذ الدكتور محمود السماسيري" اخي المسلم هل انت انسان " بعد ان تناول الكاتب في الجزء الاول  التساؤال حول :" ماذا لو ارتقى كل إنسان يعتنق دين الإسلام إلى مستوى العدالة في قوله، وفعله، وشعوره، أو أخذه أو عطائه، مع كل من يتعامل معه، هل يعني هذا أنه أصبح مسلمًا حقا؟!

 

طرح الكاتب سؤال جوهوريا وهو :"  لمَ جعل الإسلام الإحسان الذي تقع الزكاة منه موقعا جوهريا فرضًا على معتنقيه؟

وقال انه للاجابة على ذلك نقول: إن سعي المرء منا لتحقيق مقومات الوجود الرغيد لنفسه ولمن يعول فقط، بصورة لا يبغي فيها على أحد، هو أمر عادل لا غبار عليه.. غير أن هذه العدالة لا تُؤمّن  للمرء منا وجودًا رغيدًا بشكل دائم( ).  فحتمًا أن ما يستطيع المرء منا إحرازه اليوم من مقومات هذا الوجود المادي الرغيد- وهو في شبابه متمتعًا بكامل قوته وصحته- لن يستطيع إحرازه غدا في هرمه، أو اليوم إذا ما أصيب بمصاب ما في صحته، أو بغت عليه قوة قاهرة  تتعامل معه بالمنطق الحيواني الصراعي ،..أو ما إلى ذلك من أسباب وعلل بشرية وطبيعية، تمثل تهديدًا محتملًا لاستمرارية امتلاكه، أو امتلاك أبنائه  لمقومات الوجود الرغيد.

واشار الى انه لو عممنا هنا مبدأ العدالة- تبعًا لمنهجية الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" في اختبار سلامة قاعدة أخلاقية ما، عبر تعميمها على البشر جميعًا- فليس ثمة فرض على أحد من المحيطين بذلك الشخص الذي أصيب في ماله، أو جسده، أو غير ذلك من مصاب - ما دام ليس لديه عندهم سابقة فضل- مد يد العون له لانتشاله من مصابه هذا؛ وهو ما سيؤدي به إلى تبدل حياته الرغيدة إلى حياة قاسية تعيسة، دون أن يبالي أن يسعى لدفع  هذه التعاسة عنه أحد.
 
وإذا ما سحبنا مبدأ العدالة نفسه - أيضًا- على مجتمع معين ليس له سابقة فضل على غيره من المجتمعات، وأصابه بلاء عام كفيضان، أو زلزل، أو وباء، أو مجاعة، أو ما إلى ذلك من كوارث...فليس ثمة فرض- أيضًا- على المجتمعات الأخرى أن تمد له يد العون؛ وهو ما يُعرضه إلى معاناة قد تصل به إلى هلاك جل أبنائه...دون أن ينصت إلى استغاثاتهم أو يلتفت لمأساتهم  أحد!!
 
وهكذا؛ ثمة أمر بدهي لابد أن يضعه المرء منا في حسبانه، ألا وهو أن ضمان استمرارية امتلاكه مقومات الوجود الرغيد هو أمر غير يقيني، وثمة احتمال قائم لأن يتعرض لخطر ما يهدد تلكم المقومات. بل ثمة احتمال لمرور المرء منا بخطوب تهدد وجوده عينه.. والحالة الوحيدة التي  تنجيه من آثار هذا الاحتمال المرعب إذا ما تحقق، هو أن يكون المبدأ الذي يسود سلوكه، وسلوك الآخرين من حوله، هو الإحسان، لا العدل.
 
غير أن المتأمل في جوهر السلوك الإحساني يجد أنه سلوكًا  يقوم على التضحية التي يبذلها المحسن من ماله، أو وقته، أو جهده، أو غير ذلك، لطرف آخر دون أن ينتظر من ذلكم الطرف جزاءً ولا شكورًا. وبالطبع فإن تحمل هذه التضحية أمر  يصعب- كما أشرنا سلفًا- أن يرتقي إليه إلا قلة من الذين يمتلكون فطرة إنسانية سامية؛ تدفعهم إلى الإحسان إلى غيرهم عن طيب خاطر. 
 
وهو ما يعني أن المرء منا إذا ما أصابه مكروه اليوم أو غدًا، فليس ثمة ضمانة له أن يجد فيمن حوله أحدًا من هؤلاء المحسنين الذين تدفعهم فطرتهم السامية لأن يضحوا بقدر ما من وقتهم أو مالهم لإخراجه من مصابه هذا..  وهو ما يجعل قلب المرء منا يظل - مهما حاز من مقومات الحياة المادية اليوم- وجلًا أن يصيبه غدًا   مكروه يذهب بما يملك من هذه المقومات، دون أن يجد له من محسن عون ولا سند.. وهو ما يعني أن الحالة الوحيدة التي ينتفي فيها ذلكم الوجل، وتُؤمن للمرء منا مقومات الوجود الطيب طيلة حياته الدنيا هي تلك التي يكون فيها الإحسان ملزمًا  لجميع المحيطين به، كل حسب استطاعته.
 
ولا ريب أن هذا الإلزام لن يتحقق فعلًا إلا إذا كان ذلك أمراً مفروضًا على  الجميع، من قبل قوة عليا قادرة على تحقيق أمرين:
 
أ: تعويض المحسنين عما يبذلوه من مالهم أو جهدهم، وربما أرواحهم، في مرحلة لاحقة من الوجود.. هي اليوم الآخر.. فدون ذلك  لن يعوض هؤلاء المحسنين عما بذلوه للآخرين في حياتهم الدنيا شيء. ( )
ب: القصاص ممن امتلك القدرة على مد يد الإحسان لمن كان في حاجة  لهذا الإحسان .. ولم يبال أن يكون لغيره من المحسنين.
 
 
وهذه القوة العليا المهيمنة لن تكون إلا رب الأرباب الرحمن الرحيم، الذي كتب الإحسان على  كل شيء( )..تعالى عما يشركون علوًا كبيرًا.
وهكذا؛ فدون الإيمان بالله تعالى، الذي يجعل الإحسان أمرًا مفروضًا، وليس اختيارا ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ (النحل:90 )،لن تكون ثمة ضمانة حقيقية لأي إنسان أن يعيش حياة طيبة آمنة تغمره فيها- وتغمر الجميع من حوله- روح التراحم  والإحسان.
 
وإذا كان أمر الله تعالى لنا بالعدل في هذه الآية  الكريمة قد أتى في آية أخرى مع من نكره ونعادي﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ (المائدة:8) فلا يليق بنا أن تكون العدالة هي نفس الدرجة التي نتعامل بها مع من نسالم أو نوالي...لذا كان الإحسان هو ما يليق بنا أن نتعامل به مع هؤلاء. 
 
وهكذا؛ فدون الاضطلاع بذلكم السلوك الإحساني الذي هو الضمانة الوحيدة لإقامة الوجود الدنيوي الرحيم للعالمين.. فلا مجال لوصف فرد أو مؤسسة أو مجتمع بكونه مسلمًا حقًا.
       
والواقع أن تحقيق ذلكم الوجود الذي يسوده الإحسان والتراحم في واقعنا المعاش، سيظل أملاً بعيد المنال دون بذل الجهد من قبل علماء الإسلام ومفكريه ودعاته لترسيم سبل  تربية وإعداد الإنسان الذي يحقق العدالة في سلوكه؛ حتى تكتمل إنسانيته بداية، ثم يسمو في سلوكه من العدالة إلى الإحسان بما يؤهله لأن  يصبح لبنة صلبة في بناء المؤسسات والجماعات المسلمة المحسنة، التي تشكل معًا المجتمع الإسلامي المحسن للبشرية جمعاء. مجتمع خير أمة أخرجت للناس.
 
ولا غرو أن أي فهم يُقدم للإسلام لا يرسم سبل بناء ذلكم المسلم المحسن، المفضي إلى إقامة مؤسسات إسلامية محسنة، تتآزر معًا لبناء مجتمع إسلامي لا يُحسن لأبنائه فقط؛ وإنما يمتلك مقومات الإحسان للبشرية جمعاء،. لا غرو أنه طرح فكري ينم عن فهم قاصر لحقيقة الإسلام. فإن لم يسع الإسلام لأن يقيم للإنسانية جمعاء هذا الوجود الإحساني التراحمي.. فما الدين الذي يسعى لذلك إذن ؟!  وإذا لم يكن ذلكم هدف الإسلام ومبتغاه ..فهل يمكن أن يكون الإسلام – حينها- دينًا صادرًا عن الإله الرحمن الرحيم؟!
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة