لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ - أبو الهيثم محمد درويش

يطوف على السابقين من أهل الجنة ولدان كأنهم اللؤلو المكنون من شدة الجمال والبهاء , فإن كان هذا حال الخدم , فما بالك بحال المخدوم؟
 
يطوفون عليهم بجميع أنواع آنية الشراب , من أكواب وأباريق وكؤوس , يسقونهم خمر الآخرة التي لا تصدع الرأس ولا تذهب العقل , لذة للشاربين.
 
وفاكهة مما تشتهي الأنفس , ولحم طير مما يشتهون , كلما اشتهى أحدهم لحم الطير خر الطير أمامه مشوياً ,
 
قال تعالى :
 
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ (18) لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21) } [الواقعة]
 
قال السعدي في تفسيره:
 
أي: يدور على أهل الجنة لخدمة وقضاء حوائجهم، ولدان صغار الأسنان، في غاية الحسن والبهاء، { {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ } } أي: مستور، لا يناله ما يغيره، مخلوقون للبقاء والخلد، لا يهرمون ولا يتغيرون، ولا يزيدون على أسنانهم.
 
ويدورون عليهم بآنية شرابهم { {بِأَكْوَابٍ} } وهي التي لا عرى لها، { {وَأَبَارِيقَ } } الأواني التي لها عرى، { {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} } أي: من خمر لذيذ المشرب، لا آفة فيها.
 
{ { لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} } أي: لا تصدعهم رءوسهم كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها.
 
ولا هم عنها ينزفون، أي: لا تنزف عقولهم، ولا تذهب أحلامهم منها، كما يكون لخمر الدنيا.
 
والحاصل: أن جميع ما في الجنة من أنواع النعيم الموجود جنسه في الدنيا، لا يوجد في الجنة فيه آفة، كما قال تعالى: { {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} } وذكر هنا خمر الجنة، ونفى عنها كل آفة توجد في الدنيا.
 
{ {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ } } أي: مهما تخيروا، وراق في أعينهم، واشتهته نفوسهم، من أنواع الفواكه الشهية، والجنى اللذيذ، حصل لهم على أكمل وجه وأحسنه.
 
{ {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} } أي: من كل صنف من الطيور يشتهونه، ومن أي جنس من لحمه أرادوا، وإن شاءوا مشويا، أو طبيخا، أو غير ذلك.